للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أسرعت الخطى، إلى أن تشرف عليها وتقف برهة مستنشقاً الصعداء فإذا بك أمام أثر من آثار الجبابرة الذين كان يتغنى بمدحهم شعراء اليونان. ترى جبلاً منتصباً على طرق البادية كسور منيع أقامته يد الطبيعة هناك لصد الغارات عن مملكة زنوبيا يتدفق من جوفه نبع غزير تنساب مياهه الكبريتية في بقعة خضراء منبسطة أمام الجبل بين بساتين غضة حافلة بأشجار الفاكهة على اختلاف أنواعها وحقول واسعة زرعت بأنواع الحبوب ومروج خضراء تتخللها وهي مرعى خصيب تغشاه قطعان الماعز والضان. تقف وتسرح النظر حيناً في تلك البقعة الجميلة، فتتمثل لك الطبيعة ضاحكة باسمة الثغر فتؤنس وحشتك وتنفس كربتك وتنسيك هذه الابتسامة اللطيفة من عروس البادية كلما لقيته قبل وصولك إليها ومصافحتك لها من عبوسة واكفهرار في باديتها القاحلة الجرداء. وفي وسط هذه البقعة الجميلة ركام من الخرابات، تتخللها أبنية فخيمة متهدمة آية في الإبداع وأعمدة ضخمة متناسقة تناطح السحب، ممتدة على مسافة بعيدة كصف من الجبابرة أقامتهم ملكة المشرق حراساً على باب باديتها أو كأنما هي أيدٍ مدتها إليك ملكة الصحراء من وراء حجب التاريخ لتصافح ضيفاً كريماً جاء يحييها في مقر ملكها. فتقف حائراً مبهوتاً وترى مجالي العظمة والجلال بادية على تلك الآثار الضخمة. فتدرك أنها آثار قوة هائلة حلت في تلك البقعة من البادية ردحاً من الدهر، فدانت لها الممالك وانقادت إليها الشعوب.

تلك آثار تدمر موطن زنوبيا، ملكة المشرق وعدوة الرومان، ومنقذة سوريا من رق العبودية،. . . وأهم آثار تدمر واقعة في سفح ربوة ممتدة

<<  <  ج: ص:  >  >>