عليها مدافن الملوك والعظماء تنبسط أمامها بادية الشام التي تحدها على بعد شاسع جبال متقطعة تتخللها معابر القوال التي كانت تسير على عهد قريب في تلك الفلوات بين دمشق وبغداد. وبالإجمال ليس بين المدن القديمة مدينة جامعة بين كثرة الآثار القديمة وضخامة الأبنية وفخامتها ودقة نقوشها وأهميتها التاريخية كمدينة تدمر إلا مدينة بعلبك فهما أثران يعدان من أعجب آثار الأقدمين في سائر الأقطار قاطبة.
وكان لتدمر في الأعصر الخالية شأن خطير وقد كان وقوعها على طريق القوافل التي كانت تسير بين دمشق وبغداد من أهم الأسباب التي مهدت لها السبيل إلى بلوغها شأواً بعيداً من الحضارة والعمران فكانت مركزاً تجارياً متوسطاً بين أوروبا وداخلية آسيا تشحن إليها المنسوجات الحريرية من الهند ومحصولات الأرض من البلاد الآسيوية المجاورة لها فترسل منها إلى أوروبا. أما قبل المسيح فلم يكن لها من الشأن ما كان للمدن السورية الأخرى ولم يرد ذكرها في التوراة بين تلك المدن وجل ما ذكر في سفر الملوك وسفر
الأخبار أن سليمان الحكيم بنى تدمر وشيد فيها هيكلاً عظيماً لبعال وسماها تدمر أي مدينة النخل لكثرة ما كان هناك منه.
وفي أيام السلوقيين خلفاء الإسكندر كانت خط الاتصال بين إنطاكية وسلوقية (اللاذقية) عاصمتي مملكتهم وسميت لعهدهم بلميرا مترجمة عن اسمها الأصلي. وفي أيام الرومانيين أزهرت بمتاجرها وصناعاتها وضاهت أعظم المدن السورية ولاسيما في القرن الثالث للمسيح إذ كان يحكمها أودينات الذي أدى خدماً جليلة للرومانيين