أمريكا وبطاح أستراليا. ولما كان السوري ميالاً بطبيعته إلى الكتابة والتحرير حمل معه إلى المهجر طرسه وقلمه فأنشأ الصحف والمجلات وخدم اللغة العربية أينما نزل، والبريد يحمل إلينا في كل أسبوع جرائد شتى ومطبوعات متنوعة من مراكش وكندا والولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل والأرجنتين إلخ.
ولما سكنت عاصفة الاستبداد التي كادت تجتاح كل عقل مفكر وقلم محبر، هب نسيم الحرية اللطيف فرد إلى سورية بعض أبنائها بعد أن كان قد خيل أن لا تلاق بع ذاك الفراق. فرأت بيروت صاحب المهاجر النيويوركي وصاحب المناظر البرازيلي وصاحبي الراوي والمصور الإسكندريين ورأت دمشق صاحب المقتبس وطرابلس المغربي ورحبت حلب بأدبائها وبغداد بشعرائها. . . ولكن الكثيرين قضي عليهم في أرض منفاهم، فخمدت أنفاسهم وتقطعت أوصابهم، فكان لحدهم في أرض غير التي هز عليها مهدهم. . . وإن سورية لتذكرهم اليوم في عينها دمعة محرقة لأنها تشعر بالحاجة إليهم لإنارة العقول وتثقيف الأذهان في طور الانتقال الصعب الذي تمر به الآن، وهي تقول: رحمة وسلام على من مات، وأهلاً وسهلاً بمن عاد. . .! بل هي تلقي نظرة ملؤها الشكر إلى شقيقتها
مصر التي حفظت لها أبناءها وأثمار أحشائها. وتدعو الكتاب المصريين لزيارة ربوعها، فإن التضييق الذي كان يقصيهم عنها قد اندرس وزال، فيلاقون كل حفاوة وإكرام، ويشعرون عندما يطأون الأرض السورية أنهم ليسوا بالأعراب فإن كتاباتهم قد سبقتهم وأعدت لهم السبيل، فصبيان المدارس يروون شعرهم ونثرهم، والكتاب يوردون رأيهم وقولهم. ولنعم النسب نسب الأدب.
ولقد وقفت مجلتا نفسها على القيام بهذه الخدمة منذ نشأتها، وهي دائبة بمعاونة الأدباء، الذين يقلدون جيدها بدور نفثاتهم، على متابعة هذه الخطة التي نالت رضى العموم. ولهذا نحن نقدم إليك أيها القارئ العزيز هذا العدد الكبير، وقد بذلنا المجهود في تزيينه بالرسوم العديدة وتحليته بأنفس ما جادت به قرائح الكتاب ونحن موقنون بأنك سترتاح إلى هذا الموضوع الجليل وتقدره حق قدره