لعدم وجود أنثى تعادله في المعارف، وتماثله في الأفكار، لترفع قدر بنات جنسها وتبين تأثيرها أدبياً في الهيئة الاجتماعية، نافية ما نسب إليها من ضعف المدارك وجهل الواجبات. وقد دامت هذه الحالة المحزنة مدة طويلة دون أن يسمع صوت يبشر بطريقة تربية حديثة تبدد ظلام الجهل المتلبد. وتقشع غيومه الكثيفة إلى أيامنا هذه حيث لاح لنا نور العلم من خلال المدارس التي شيدت في كل الأنحاء وصارت المخرجات منها تعد بالألوف والمئات. غير أن الرجل الذي كان يئن بالأمس من جهل المرأة وضعف إدراكها، أصبح اليوم يتحسر على تقدمها ومعارفها. وتمنى لو بقيت على الجهل التام بدلاً من أن تذوق العلم غير الصحيح الناشئ عن التربية العصرية المقتبسة من قشور التمدن الغربي الحديث. فلنبحث الآن عن الحقيقة لنرى ما هي الخطة التي اتخذناها لنرتقي في التمدن ونكتسب ثمار العلم.
يلوح لي بأن أول شيء عرفناه نحن معشر النساء من أنواع التمدن هي آفاته وأولها المودة. فقد تبعناها وبذلنا جهدنا في تتميم شروطها متمثلات بنساء الغرب، وواضعات كل إرادتنا في قبضة أيديهن لتدرننا كيفما شئن وشاءت أذواقهن. فكم من جاهلة منا عدت نفسها سعيدة وترنمت وهماً لعدم تأخرها في شيء عن مماثلة الغربيات ولكن فيما يتعلق بالمودة فقط. وكم من أخت لها ازدرت بنصائح العقلاء والمسنين واستهزأت بشخصهم إذ لم تجد عليهم رداءاً مطابقاً للمودة. فتنكرهم إن كانوا أهلها وتجحدهم إن كانوا محسنين إليها، وكل هذا عملاً بأمر المودة. . . ولو أن