فلما سمع معاوية كلامه وإنشاده، قال: تعدى ابن الحكم في حدود الدين، وظلم واجترأ على حرم المسلمين. ثم دعا بدواة وقرطاس، وكتب إلى مروان بن الحكم كتاباً يقول فيه: إنه قد بلغني أنك تعديت على رعيتك في حدود الدين، وينبغي لمن كان والياً أن يكف بصره عن شهواته، ويزجر نفسه عن لذاته. ثم كتب كلاماً طويلاً منه:
وليت أمراً عظيماً لست تدركه ... فاستغفر الله من فعل امرئ زان
إن أنت خالفتني فيما كتبت به ... لأجعلنك لحماً بين عقبان
طلق سعاداً وعجلها مجهزة ... مع الكميت ومع نصر بن ذبيان
ثم طوى الكتاب وطبعه، واستدعى بالكميت ونصر بن ذبيان، وكان يستنهضهما في المهمات لأمانتهما، فأخذا الكتاب وسارا حتى قدما المدينة، فدخلا على مروان بن الحكم وسلما عليه وسلما الكتاب إليه. فصار يقرأ ويبكي. ثم قام إلى سعاد وأعلمها بالأمر. ولم يسعه مخالفة معاوية، فطلقها بمحضر الكميت ونصر بن ذبيان، وجهزهما وصحبتهما سعاد. ثم كتب إلى معاوية كتاباً يقول فيه هذه الأبيات:
لا تعجلن أمير المؤمنين فقد ... أوفى بنذرك في سر وإعلان
وما أتيت حراماً حين أعجبني ... فكيف أدعى باسم الخائن الزاني
اعذر فإنك لو أبصرتها لجرت ... فيك الأماني على تمثال إنسان
فسوف تأتيك شمس ليس يدركها ... عند الخليفة من أنس ومن جان
ثم ختم الكتاب ودفعه إلى الرسولين، فسارا حتى وصلا إلى معاوية وسلما إليه الكتاب فقرأه وقال: لقد أحسن في الطاعة وأطنب في ذكر الجارية