الأحوال قد تغيرت في أيامنا. وأمريكا اليوم هي غير أمريكا بالمس. ولكن تيار المهاجرة لا يزال يقذف إليها في كل سنة مئات الألوف من المهاجرين.
وعهد مهاجرة السوريين قديم، يرتقي إلى أجدادهم الفينيقيين الذي رادوا البحار، وحملوا تجارتهم إلى أقصى الديار. أما مهاجرتهم إلى أمريكا فلم تبدأ إلا منذ نصف قرن تقريباً. وكان الباعث الأكبر عليها اختلال المجاري الاقتصادية في السلطنة العثمانية بفساد الحكومة الاستبدادية التي جرت على مذهب فرق تسد فتأصلت روح التعصب بين الجماعات والتشيع والطوائف حتى كادت توقع البلاد في حرب أهلية دائمة، وتضعضع الأمن، وسادت الفوضى، ودرس العلم، وثقلت المعيشة. وما بشر الناس بخيرات أمريكا حتى هرع الكثيرون إلى البواخر تحملهم إلى شواطئ العالم الجديد حيث أفلتوا من عقل التقاليد وانفكوا من قيود الفقر والمظالم، وتنفسوا الصعداء لأن حالة الفلاح العثماني كانت من أتعس الحالات.
وكان القرويون أول من شد الرحال إلى أصقاع أمريكا. وكان إثراؤهم السريع وحشدهم المال الكثير في الوقت القليل محرضاً كبيراً على إقبال إخوانهم على اللحاق بهم إلى أرض الحرية والإخاء والمساواة والغنى. وقد فتحت حكومات أمريكا باب المهاجرة لدخول المهاجرين لأنها كانت في حاجة إلى تعمير البلاد واستثمار الأراضي. وفتحت أيضاً الحكومة العثمانية الباب وسيعاً لخروجهم لأن معظمهم كان من النصارى، واهمة أنها بنزوحهم تخلص من مشاكلها مع الدول الأوروبية: على أن المسلم العثماني كان ومواطنه المسيحي سببين في احتمال المظالم وتكبد المغارم. فلحق به إلى