فما دفعك إلى الثانية. وكيف أتيتها وأنت على ما أنت؟
فأجاب وقد قدحت عيناه ناراً: رجل أهان شرفي فانتقمت منه.
عدت خطوة إلى الوراء ونظرت إلى هذا الرجل العجيب فوجدت سيماء الأبهة والعظمة تلوح على محياه كأنه أتى أمراً تحمد عقباه. تأملته وقد دفعه نزقه وطيشه إلى عمل فظيع. فقتل عمداً شاباً في ربيع العمر توهم أنه حط من كرامته ثم استأنف قائلاً:
- حكم علي بالإعدام لارتكابي الجريمة الأولى. وقد استبدلت محكمة التمييز هذا الحكم بالسجن المؤبد. على أن الدستور حمل إلي عفواً فخفض مدة سجني إلى الخمس عشرة سنة. صرفت منها تسعاً في السجن. وبقي منها ست سأقضيها وأنطلق من هذه البلاد إلى حيث أستطيع الانتقام من الحكومة والإنسانية بنشر ما لاقيت في سجني من الحيف والظلم.
ما أشقى ما فطر عليه البشر! جريمتان تهتز لهما الأبدان. ارتكبهما هذا الشقي بخلق هامد. ودم بارد. دون أن يحرك قلبه الجلمودي عامل ندامة أو شفقة. وهو يعلل النفس بالخلاص. وينتظر ساعة يستطيع بها الانتقام من العدل والقانون. فما أتعس قلب الإنسان. رحمة طلبت فيه قلبي لهذا التعس لا عدلاً. وسلاماً تمنيت له لا انتقاماً. فما العدل والانتقام مما يغير فطرة غرستها فيه الطبيعة ورضي بها الإله. وعدنا بإعطائه بعض ما يخفف به من
تعاسته. فعمدت إلى قول الريحاني وقصدت أن يشترك القلب واللسان مع اليمين في الإحسان. فدنوت منه وقلت:
- أخي! ليس ما لاقيته من الحكومة إلا قصاصاً عادلاً عما جنته