رويدك فإن طريق الماضي وعرة متحدرة، والظلام مدلهم وأنت شيخ مسن.
فالتفت إلي فإذا وجه جعدته الهواجس، وشعر متلبد شعثته الوساوس، وكتفان تقوستا من قراع النوائب، وقال وهو مسرع: دعني لا تلهني، فإن الأعوام رفقائي قد تقدمتني إلى محطة الأبدية. . . ولم يكد ضياء مشعله يتوارى في ظلام الزمان، حتى قرع أذني صوت الساعة الكبيرة فكان نصف الليل!!!. . .
* * *
فالتفت إذ ذاك استقبل تباشير العام الجديد، فرأيته وقد أقبل على مركبة ملكية لابساً حلة الشباب البهية، فتفرست في تلك المركبة الكبيرة، فإذا فيها من الذخائر العجيبة ما يكاد القلم يقصر عن وصفه.
رأيت فيها أشواك الشقاء وقد اشتبكت بأزهار الهناء، ومن ورائهما برفير الملوك وأطمار رثة تبين من خلالها يد المتسول مفتوحة للاستعطاء. وسرير يبدو منه رأس الطفل الصغير ونعوش أغنياء وتوابيت فقراء، وسمعت ضحكاً وبكاء، ورأيت عدلاً رافعاً لواء الحق، وظلماً ناشراً راية البطل، وفضائل بصورة راهبة قد جثت أما سرير المنازع، ورذائل شنعاء بهيئة السكارى، ورأيت النميمة تدب عقاربها، والرصانة كالأسطوانة الراسخة، والشراهة كأنها حوت على مائدة، والقناعة وقد نبتت حواليها أعشاب النساك والزهاد، إلى أشياء أخرى كثيرة من بندقية قانص الطائر، وشبكة صائد السابح. وسكة الفلاح، وعكاز الأعرج وسرير المقعد، وشبابة الراعي، وريشة المصور وقلم الكاتب، وكتاب الزاهد، ولجج فاغرة فاها، وأوبئة