فهبت أمام هذا المشهد الهائل، ثم قلت: يا نفس لقد رأيت ما رأيت فقولي لي الآن ما تشتهين في رأي هذا العام وإلى م تتوقين؟ ثم قلت: مهلاً فإني قبل أن تختاري أود أن أريك بعين الحقيقة ما قد رأيته بعين الفكر.
* * *
لما تنفس الصبح كنت على ظهور الأشرفية حيث يبدو للناظر بقعة خضراء بسقت فيها الأشجار، تطرد تحتها مياه النهر، وهي تنساب متسابقة إلى البحر فتغور في اللجج، فجلست على صخر وقد حان وقت بزوغ الشمس، وسكن نسيم الصبح، فراحت العصافير تتنقل على الأشجار وأخذت الطبيعة تنهض من سبات النون، والحياة تتجدد في الأعشاب، والدخان يتصاعد من فوق البيوت حيث تسمع قلقلة المفاتيح والأقفال وصرير الأبواب وعويل الأطفال. ثم أخذت المناظر تتضح شيئاً فشيئاً وما هي إلا بضع دقائق حتى بزغت الشمس من وراء الأفق ترسل حرير شعاعها يمسح دموع الأزهار. وكانت بارتفاعها تشرف على الغيوم المنتثرة فتفر هذه مسرعة أمام ملكة الطبيعة. وصارت فقاقيع مياه النهر تتألف لامعة كأنها تفتح وتغمض. والتلال تيقظ السهول لترتدي أردية الجلاء.
فقلت يا نفس أمامك من الطبيعة مشهد طالما شبب به الشعراء،