محنة الدهر تقضي على ملكة الاختراع والابتكار بين أهل هذه الديار، وتفقدهم ميل النفس إلى التصنيف والتأليف. ثم تفرع على ذلك اندثار دور الكتب واندراس آثارها بيننا، بعد أن كانت قائمة على الدهر تشهد للأمة المصرية بعلو كعبها وجميل أثرها في هذا الباب. ومازالت يد الزمن تعبث وتدمر، حتى سخر الله لهذه البلاد محيي مواتها وباعث رفاتها ذلك الرجل العظيم محمد علي الكبير رأس هذه الأسرة المالكة. فزواج بين ترقية الأمة المصرية مادياً وأدبياً، ومزج بين إصلاحها معاشاً ومعاداً، حتى منحه التاريخ لقباً ينطبق عليه بكل حق وعدل وهو محيي مصر.
ثم كانت سيرة خلفائه الفخام من بعده على نحو ما رسم وقدر، فكان من حسنات المغفور له إسماعيل باشا أن جمع من هنا وهناك ما أبقته عوادي الأيام من حطام تلك الدور النفيسة دور الكتب القيمة فتلقف شواردها وضم أشتاتها وأسس دار الكتب الخديوية القائمة الآن وأفاض عليها هو وابنه الخديوي توفيق على الأخص ما يضمن طول بقائها ودوام الانتفاع بها، فكانت غلة العقار المحبوس عليها كفيلة بتقدم هذا المعهد وارتقائه.
ولكننا لا نزال نرى إلى اليوم أن دار الكتب هذه لم تتجاوز في مهمتها المطلوبة منها وهي نشر العلوم والمعارف حد الاستعداد والتأهب للعمل وقد آن الوقت الذي يحب أن تخطو فيه خطوتها الواسعة في هذا السبيل، وتبرز للملأ من جليل الأعمال ما فيه سرعة ارتقاء الآداب والعلوم.
وأمامنا اليوم فرصة حاضرة، حانت لنا بالنظر في المفكرة التي وضعها حضرة أحمد بك زكي، الكاتب الثاني لأسرار مجلس النظار، وضمنها ما