للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكنها ليست لغة موسه أو ارفنغ فتلين لي وتطيعني أو إذا هي لانت أو أطاعت فليس وسطي وسطها، وحياتي حياتها، وإقليمي إقليمها، وبياني بيانها. ولعل مثل هذه النظريات هو ما ابتعد بأدباء مصر عن مثل هذا التقليد. أو لعل الأقاليم الحارة تطبع أهلها على حب الملاهي فيتولد فيهم الخيال والابتكار ويلهمون الجديد والبيان فإذا هم اقتبسوا عن الإفرنج فالمعاني والأغراض ليس الطريقة والبيان. أو لعل حكومات مصر كانت العامل على ذلك بإطلاقها الأفكار وتنشيطها الأدباء؟

ذكرت هذه العوامل وفي اعتقادي أن العامل الأكبر والأقوى إنما هو مدينة مصر ومصر الحديثة أرقى الأمصار الشرقية مدينةً ولا ريب.

انظر إلى تاريخها منذ فتح العرب مصراً وامتزجت مدينتهم فيها بمدينة الأقباط المتسلسلة من الفراعنة والورم والفرس والكلدانيين والآشوريين وغيرهم إلى أن تولاها الأتراك ثم دخلها الفرنساويون وإلى أن احتلها الإنكليز فتهافت عليها الغربيون من كل صوب، نجدها مزيجاً من مدنيات مختلفة متباينة وقد بلغت اليوم شأواً بعيداً من الرقي أو ليس في بعض هذا متسع للقول بأن مصر أرقى من سورية في الحضارة وأن الآداب إنما تتكيف بتكيف الحضارة وتمشي مع المدنية في طريق واحدة؟

رب قائل يقول إن أدباء سورية الذين هاجروا إلى مصر إنما هم الذين كانوا زعماء النهضة الأدبية الحديثة فيها. فأنا لا أنكر ذلك ولكنني أرى أيضاً أنه لولا مدينة مصر ولولا الاستعداد الذي وجده أولئك الزعماء في حكومة مصر وبلاد مصر، لما استطاعوا أن ينهضوا تلك النهضة الصحيحة،

<<  <  ج: ص:  >  >>