وإلا فلماذا - وهم سوريون - لم يرقوا بالآداب في سورية إلى الحد الذي رقيت إليه في مصر؟ ذلك أنهم استطاعوا أن ينهضوا بسورية نهضتهم
بمصر ولكن مدنية سورية لم تكن عوناً لهم في عملهم الشاق فوقفت تلك النهضة في منتصف الطريق.
إذا وصف حافظ قلم المرحوم الشيخ محمد عبده بقوله:
إذا مس خد الطرس فاض جبينه ... بأسطار نور باهر اللمعات
كأن قرار الكهرباء بشقه ... يريك سناه أيسر اللمسات
فلأن حافظاً عرف الكهرباء فلما لامسها اهتز. ولما مس لولبها أنارت فأوحى إليه هذا العلم ذلك المعنى فقاله بذلك البيان المأثور عنه.
يقول كارليل الكاتب الإنكليزي المشهور إن كل إنسان خلق شاعراً وإنما تتفاوت قوى الشاعرية فيه بتفاوت قوى عواطفه وبيانه وبتفاوت قوى المؤثرات المحيطة به. والمصري حواليه من مدنيته وفطرته وطباعه وعاداته وأخلاقه ألوف من المؤثرات تستفز نفسه. وتستثير فؤاده، غير أني - والمجال لا يسمح بتعدادها - أتجاوز عنها إلى إحداها فأذكرها بالإيجاز وهذا المؤثر الذي أريده هو الغناء.
أنا لا أعرف إلى اليوم مصرياً واحداً ليس يستخفه طرف الإنشاد ولا يذهب بلبه الصوت الحسن. خذ أياً شئت في مصر وأسمعه يا ليل ثم انظر إليه تره طرباً ثملاً يتلوى تلوي المغني في غنائه. ويتمايل معه كيف مال ويرقص رقص الدف بيد الناقر عليه وينتفض انتفاض الأوتار تحت ريشة العواد. فالمصري كما ترى يؤثر في الغناء كل التأثير فكيف به