إلى الأستانة سنة ١٨٦٣ دخل البارودي في بطانته وعاد معه إلى مصر ثم أرسل مع بعض الضباط إلى باريس ولندرا لمتابعة الأعمال العسكرية وعند رجوعه رقي إلى رتبة قائم مقام ثم إلى رتبة أمير آلاي. وقد سافر مع الجيش المصري الذي أوفدته مصر لمساعدة الدولة العثمانية على إخماد الثورة في كريد سنة ١٨٦٨ واشترك أيضاً في حرب الدولة مع الروس سنة ١٨٧٧ وقد تقلب في مناصب عديدة عسكرية وإدارية. وبعد إقالة الخديوي إسماعيل باشا وتولي توفيق باشا عُين البارودي ناظراً للأوقاف. وكان في كل هذه المدة يحبر القصائد الشائقة ويجمع الكتب النفيسة فكان من أكبر أركان النهضة الأدبية الحديثة ولا يزال الشعراء حتى يومنا يعترفون له بالأسبقية. وقد كانت له اليد الطولى في إنشاء الكتبخانة الخديوية. ولما دخل الإنكليز مصر بعد ثورة عرابي كان البارودي من جملة الذين حكم عليهم بالنفي إلى سيلان مع زعيم الثورة. وإلى ذلك العهد ترجع المراسلات السامية التي ننشرها وقد عاد إلى مصر من المنفى قبل وفاته بقليل وتوفي في ١٢ ديسمبر ك ١ سنة ١٩٠٤ هذا ملخص حياته. ولما كان له تأثير كبير في النهضة الأدبية سنعود فيما بعد إلى درس آثاره الكتابية.
المراسلات السامية
بدأنا في الجزء الأخير من السنة الفائتة بنشر المراسلة الشعرية التي دارت بين الأمير شكيب الأرسلان والمرحون محمود باشا سامي البارودي، يوم كان هذا الأخير منفياً في
جزيرة سيلان. وقد نشرنا رسم الأمير الأرسلاني، وهاذ نحن ناشرون الآن رسم البارودي مع بقية المراسلات التي دارت بين الشاعرين
ثم كتب محمود سامي باشا إلى لأمير شكيب بهذه القصيدة
أدّي الرسالةَ يا عصفورة الوادي ... وباكري الحي من قولي بإنشادي
ترقبي سنة الحرّاسِ وانطلقي ... بين الخمائل في لبنان ورتادي