قيل أن النسيم قد كان يوماً ... يتمشى على ربى لبنان
كتمشي المصطاف لا شغل يدعو ... سوى حسن منظر الوديانِ
هائماً لا يقرّ منهُ قرارٌ ... من مكان يميل نحو مكانِ
تارة يلثم الزهور وطوراً ... يرتمي في معاطف الأغصانِ
إذ أتى منزلاً عظيماً لشيخٍ ... من شيوخ القرى رفيع الشانِ
فانبرى داخلاً إليه من الكوَّ ... ةِ وثباً من غير ما استئذانِ
ثم بنتٌ للشيخ تغزل صوفاً ... وهي في مأمن من الحدثانِ
تعزل الصوف كفها ولها جف ... نان بالسحر والهوى غزلانِ
عبث الزائر الجسور بشعر ... ناعم فوق رأسها الفتانِ
فتدلت أطرافهُ الشقر من ... فوق عيون سود وخد قاني
ورأى صاحبي النسيم جمالاً ... ما رآه من قبل في إنسانِ
فغدا شاخصاً إليها مديماً ... نحوها نظرة الفتى الحيرانِ
ذلك الأهوج الخفيف المرائي ... القليل الثبات في كل شانِ
فاضح العاشقين ناشر أسرار ال ... هوى بين كل قاصٍ ودان
أصبح الآن بابنة الشيخ صباًّ ... مستهاماً بحبها متفاني
عاشق لا يُرى ويكفيه منها ... إن يراها في كل حال وآن
حيث كانت يكون في البيت أو في ال ... روض بين النسرين والريحانِ
كل شي منها يراه فما تخ ... جل منهُ وليس بالخجلانِ
همهُ كل همه أن يراها ... في سرور وغبطة وأمان
جاعلاً نفسه كما تشتهي ... برداً فحراً على اختلاف الزمانِ