وشرب هنيء وحديث عذب. وكان لصاحبي ولد يذهب ويجيء بيننا فرحاً مرحاً. ويعرض علي الألعاب التي أهديت إليه في العيد وهو معجب خصوصاً بلعبةٍ تدور بلولب خاص وتسير كأنها القطار البخاري. فقلت للولد على سبيل المداعبة:
أي متى يحملك الإعجاب بحركتها الخفية على كسرها؟
فالتفتت إلي الوالدة وقالت:
بالله عليك يا حاصد هلا سألته أي متى يحمله الدرس والاجتهاد على اختراع مثلها؟
وقف الولد عن كل حركة وحدق عينيه الجميلتين في عيني أمه كأنه يحاول أن يرى في تلك المرآة الصافية معنى ذلك القول الذي لم يدرك كنهه عقله الصغير وقال بكل سذاجه: الحق معكِ يا أماه. . .
قبلت الولد وانحنيت إجلالاً أمام تلك الأم الفاضلة. وقد ذكرني كلامها ما قاله قائد ألماني في خطبة كان قد ألقاها منذ أيام وجيزة: يا قوم أنتم في هذه المواسم تبحثون عما تهدونه إلى أولادكم، لا تفتشوا طويلاً، اهدوا إليهم سيوفاً وبنادق لتتربى فيهم روح الشجاعة والبسالة فينشأوا أشداء أقوياء. بل رأيت كلام هذه الأم الفاضلة أعقل واسمى من كلام القائد. ولما تركنا المنزل قال لي صاحب الزهور: عسى أن يكون وياشد ما تكون دهشة هذه الأم عندما ترى كلامها مدوناً في هذه الصفحة.