لا يذهب يومُ ويأتي مثله. سقى الله أيام أجدادنا فإنها كانت أيام خير ومروه وشهامة.
وهكذا أخذوا يثنون على العصور الماضية وطفق كل يسرد ما رواه له أبوه وأجده عن أمور شتى ونوادر متنوعة وخصوصاً ما يتعلق بالبسالة والبأس وقوة الجنان. هذا وسليم صامت لا ينطق بحلوة ولا مرة. على أنه كان يتأفف في قلبه من الحط من شأن رجال اليوم وإقدامهم. فاعترضهم أخيراً قائلاً:
بارك الله في همم الرجال: لا تظنوا أن النخوة قد تلاشت أو أن الشجاعة قد فقدت من
صدورنا. وما أيامنا إلا كأيام من تقدمنا. وفي كل عصرٍ رجالٌ لا يهابون الموت إذا تمثل لهم، وآخرون يخشون ظلهم إذا انعكس في ضوء القمر.
فاشتد حينذاك الجدال وأدى إلى التحزب للماضي أو الانتصار للحاضر. وجاء في عرض الكلام ذكر مغارة العظام وخوف الناس من المرور بجانبها، فقال أحد الحاضرين لسليم:
إذا كنت يا صاحبي كما تدعي لا تقل شجاعةً وبأساً عن أبائك وأجدادك. هل لك أن تقصد مغارة العظام في مثل هذه الساعة فتدق فيها وتداً؟
أدق وتداً وآتيكم بجمجمة. . . قال سليم ذلك ببعض البساطة الدالة على ثبات جنانه.
فوقع كلامه على الحاضرين موقع الدهشة. لأن المكان المذكور كان قفراً، قد انتصبت فيه صخور جرداء، لا نبات هناك ولا أثر للحياة، وكان في منعطف ذلك الموضع مغارة واسعة ألقيت فيها من أمدٍ مديد عظام وجماجم كثيرة فأكسبتها اسمها ومغارة العظام وكان ذلك القفر مخيفاً رهيباً. وإذا اضطر بعض القرويين للمرور به نهاراً يسير وجلا مذعوراً ويهرول دون أن يحول نظره إلى تلك المغارة المشؤمة