اصطادهما به، حتى كان صباح الغد وافيت الشرك فرأيت أحدهما فيه.
مضى الربيع وتلاه الصيف وأعقبه الشتاء، والعصفور ملكي أفعل به ما أشاء، وقد حبستهُ في قفصٍ ذي صنع بديع محكم البنيان، وشكل جميل بهي الألوان، وكنت أتعهده بكل صنف تمكنت من جلبه من صنوف مطعم البغثان، ولكن العصفور كان قليل الأكل مقهم الشهوة، نادر الاستحساء نزر النغبة، وكان كلما ازددت به اعتناءً واهتماماً، ازداد مني نفوراً واعتصاماً، أو جئت أستميله تململ وتلوى، وكأنه يشكو جراحاً بالحشى أو أنه كره مقامه
واجتوى.
انقضى فصل الشتاء وأنا أعالج نفرته ووحشته، وأراود سآمته وكأبته، وأخذت لذلك بجميع أسباب رفاهية الطيور وراحتها، واحتلت بصنوف الحيل التي تؤدي إلى استمالتها، فلم يكن ما يستمال به ويرضيه، أو يحفف من زهده في حياته ويسليه على يأسه من تحقيق أمانيه.
جاء الربيع وأخذت الكائنات المرئية تتحلى بحلاها البهية، والطبيعة تعرض مصنوعاتها السنية، قمن زهرٍ تبسم عن ثغره، وشجر جاد بثمره، ونسيم سرى بنسماتِه، وجدول جرى هادئ في منعرجاته، وبرزت الطيور من مكامنها، وعادت تصدح على أفنانها، ولكن طيري لم يشترك مع بني جنسه في أفراحهم ومسراتهم، كأنه لم يكن منهم وهو بعيد عنهم وعن مختلفاتهم، حتى كان صباح يوم وأنا في شغلٍ شاغل، طرق أذني صدح شجيٌ متواشل، فأسرعت مستبشراً فرحاً إلى وجهة مصدره، استعلم عن مرسله وأتحقق صدق خبره، فألفيت كناري