الذهبي مسترسلاً على كتفيها. ومن عينيها الدعجاوين تنبعث أنوار الأمل والطهارة. . فمدَّت نحوي إحدى يديها وأشارت إليَّ بالثانية إشارة الحنو والانعطاف. . .
فبقيت برهةً شاخصاً إليها أقول في نفسي: لاشك إنها من سكان السماء. إذ لم يكن في بهائها الرائع شيءٌ أرضي، وكانت تحيط بها أنوار سماوية فتزيد في سنائها سناء. فمددت يدي وهتفت: ومن؟؟؟. . . .
فأجابتني بصوتٍ أرقّ من نسيم الربيع وأعذب من نغمة الشحرور: يا صاحٍ، وضعني الإله الخلاق في صدرك عند ولادتك، فنموت وترعرعت معك وها أنا قد بلغت أشدي مع سنتك السادسة عشرة. فحياتي حياتك وموتي موتك. أنا شقيقتك وأكون رفيقتك في قطع مفاوز هذه الحياة إلى أن أذوي وأذبل فأطرح على الحضيض، فأتركك في نصف الطريق بعد أن نكون قطعنا معاً النصف الأول منها، وليس هذا اليوم ببعيد يا أخي. فحياة الزهرة رمزٌ عن حياتي القصيرة. فمتى ذبلتُ تأسف عليَّ حين لا يجدي التأسف. فلا ماء عينيك يحييني ولا حرارة قلبك تنعشني. . . أنا لستُ غنية، وكل ثروتي في الزهور التي تكلل رأسي، لكني سأسكب عليك نعماً يحسدك عليها كبار الأرض وأغنياؤها. وأضع على مفرق رأسك إكليلاً يغبطك به كل من نظر إليه. سأتتبع آثارك دائماً دون أن تنظرني غير أنك دائماً تشعر
بوجودي. . . سأنفخ من روحي الطاهرة في الطبيعة لتروق عينك