للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتبتسم لك في صباحك ومسائك. . . لكن عليك أن تقدّر هذه النعم قدرها قبل أن تفلت من يديك. وأدّخر منها للنصف الثاني من الطريق حيث أكون قد غادرتك. . . . .

قالت وكان كلامها ينسكب على قلبي كندى الصباح وبعد برهة استأنفت الكلام:

قلت لك يا أخي إن حياتي قصيرة ولكنه بوسعك أن تطيلها أو تقصرها. إن رجليّ نحيفتان فلا تقدني في المسالك الوعرة، وحمرة وجهي أبهى من حمرة الورد فلا تكدرها بريح الأهواء اللافحة، واعمل كي لا ينخزك الضمير إذا ما فقدتني. ومتى فارقتك فليبق ذكري محفوظاً طيَّ صدرك فينعشك ساعة القنوط ويضيء نبراسه ظلام حياتك

وحينئذ أحنت رأسها نحوي كالملاك الحارس وشعرت بيدها تخطُ على جبهتي علامة سرية ففتحت يديَّ

فكنت كالقابض على الهواء وتوارى طيفها في غسق المساء. . .

٢

يوم من أيام الخريف: عبس وجه السماء واكفهر، وعريت الأرض من بهائها ورونقها. وكنت سائراً أجد في حزن الطبيعة صورة حزني وقد استولت عليًّ الوحشة التي تستولي على القلوب عند غروب شمس النهار.

فتراءت لي مخلوقة نظرت إليَّ وبكت، وقد اتشحت برداء ممزق بالٍ، ولاحت على خديها صفرة أشبه بصفرة الأوراق المتناثرة وقد حرقت

<<  <  ج: ص:  >  >>