عينيها دموع الأسى، وكانت محنية الظهر كزنبقة ذابلة قُطعت عنها مياه الحياة. فعرفت فيها تلك التي ظهرت لي منذ خمسة عشر عاماً، وهتفت بصوت الرعشة: وما تريدين الآن؟. . .
فأجابتني بصوتٍ أشد حزناً من زمهرير هواء الشتاء:
قد أزفت ساعة الفراق وهو فراق أبدي، وقبل أن أتركك أحببت أن أودّعك وداعي الأخير. . .
لقد أنكرتني يا ناكر الجميل. قمت أنا بكل وعودي لكنك لم تكترث لها. وضعت على رأسك إكليل الطهارة وخفرتك بحراس الإيمان والأمل والمحبة. . . آنست وحدتك بأحلام ذهبية وشغلت مخيلتك بأفكار زهرية، جعلت السماء تبسم لك والأرض تتهلل أمامك. أما أنت فقل
لي بربك ماذا صنعت بكل هذه المواهب. . .؟ بذّرتها ودستها بالأقدام. . .
فهتف بصوتٍ تخنقهُ العبرات: قد زال الغشاء عن عينيّ. ألا رحماك إبقي. . . ردّي إليَّ الأمل والمحبة فأفارق الحياة ولساني يستمطر عليك البركات.
فأجابت:
أنت ستعيش بعد. أما أنا فعما قليل سأموت. انظر إليّ واعرف ما قاسيتُ من المشقات. أنهكتَ قواي وهددت عزيمتي. كنتُ أرفع إليك نداء الاستغاثة وأسألك الرحمة، أما أنت فلم تفهم هذا النداء بل كنت تقودني وتدفعني إلى المهالك. فمزَّق ثوبي شوك الطريق وأدمى