أصحابه صوتاً شجياً مؤثراً كان يشرق بدمعه في خلاله. ثم استمر في الغناء حتى كان الهزيع الرابع من الليل، فهم ضيوفه بالانصراف، فأقبل عليهم يحدثهم في أمره قال: إنكم شاركتموني في فرحي فهلا تشاركونني في حزني؟ وكان له ولد وحيد أتاه الخادم بنعيه وهو يغني فمضى إلى ذويه فبكاه معهم حيناً ثم عاد فغنى أصحابه فقد آثره عنه بعض المغنين وأودعه في آلة الغناء المعروفة فونوغراف وقد سمعناه فهو منتهى ما يكون من الرقة والتأثير.
وآثروا عن مروءته وبذله للمعروف حوادث يعلمها الناس لا يجهلونها وجميعها يدل على أخلاقه الفاضلة رحمه الله.
محمد عثمان - إذا ذكرت عبده الحمولي تبادر إلى ذهنك فوراً ذكر المرحوم محمد عثمان. فقد كان هذا الرجل إلى جانب عبده ما كان معبد إلى جانب إسحق بن إبراهيم الموصلي. غير أن عثمان ابتلي بداء عقيم ذهب بجمال صوته وطلاوته فانصرف إلى تأليف الألحان فكان بصيراً بأخذ النغم من مواضعها وبجمعها على نسق مستحب كلفاً بصناعته، جاداً في إتقانها إرادة أن يستعيض عن طلاوة الصوت بحسن الأسلوب ولطف السياق ولهذا كان لا يغني منفرداً إلا على أجنحة الآلات. فإذا لحن أغنية وأسمعها لأول مرة خرجت متقنة الوضع رائقة للسمع، ولكن يبدو عليها إثر إعنات الفكر ويشتم منها ريح الشمع المذاب في السهر على تخريج أجزائها، وتوجيه ضروبها والملائمة بين رناتها ومعانيها. وعلى الحقيقة