منذ شهرين استقبلك أهلك بقبلة اللقاء، واليوم يستودعونك الله بقبلة الوداع. وليست هذه القبلة بأقل من الأولى معنى ورمزاً. فتحوا ذراعيهم لضمك إلى صدرهم بعد عشرة أشهر قضيتها بين المحابر والأوراق، وهم يفتحونهما الآن لوداعك بعد شهرين قضيتهما بالقرب منهم. يودعونك ولسان حالهم يقول.
سر يا ولدي بالله الله مسراك، واقض سنتك المدرسية جاداً منعكفاً على دروسك مطيعاً لرؤسائك محباً لرفقائك، فترد منهل المعارف وترتشف كأس العلوم وتعود إلينا أكمل عقلاً وأوسع فكراً وأغزر أدباً وأكثر علماً. ضع نصب عينيك مستقبلك فهو سيكون غداً ما تريده اليوم فتحصد آتياً ما تزرعه حاضراً. أنت عماد بيتك وعصا شيخوخة أهلك، أنت محط
آمالنا ووارث شرفنا واسمنا وكل ما لنا. . . وعليك أن لا تنسى أنه لا منفذ للإنسان ولا معين في هذا الإعصار الهائل الذي ثارت رياحه وعصفت عواصفه على المجتمع الإنساني إلا الفضيلة والعلم فاجعل الكتاب أليفك والجد حليفك لتكون رجلاً نافعاً لبلادك وعضواً عاملاً على ترقية أبناء جنسك.
هذا بعض ما تقوله لك ساعة الوداع قبلة أبيك الحنون يا منتهى أمله وقبلة امك المحبوبة يا نور عينها ولن نزيد عليها شيئاً لأن فيها أحسن فصاحة وأبلغ بيان بل نقول لك: لا تنس هذه النصائح التي أملاها عليك قلب أعز الناس إليك، بل اتخذها دليلاً ومرشداً لك فهي تشدد عزيمتك حين التهاون والخمول، وتجدد أملك ساعة اليأس والقنوط. . .