ترعرع الولد وأخذ يخرج في البلدة ويلعب مع أقرانه وما عتم أن شعر بميل خصوص إلى صبية كانت تلعب معهم اسمها ماري، فكان يخرج الولدان من منزلهما في ساعة واحدة ليلتقيا في مكان متفق عليه من قبل. وهناك يصرفان الساعات الطوال منهمكين في ألعاب لا لذة فيها ولا سلوى إلا أنها تجمع الولدين المتحابين وهما شاعران بفرح لا يدركان له سبباً حتى إذا دنت الشمس من المغيب واضطرا إلى الافتراق أحس كل منهما بوحشة زائدة وبحزن ما كان يخففه غير أمل اللقاء في اليوم التالي.
وقد كرت الأيام والأعوام والولدان يعيشان عيشة واحدة لا يلذ لهما شيء إذا افترقا ولا يحزنهما شيء إذا اجتمعا. . . ولما شبا عن الطوق فبرز نهدا الفتاة وانفتل ساعد الغلام تبدل ذلك الشعور الرقيق الكامن بحب ووجد وغرام. فأوجس أهلهم خيفة لاسيما أم الفتى، هي تحسب أن حب ابنها لتلك الفتاة يحمله على التهور والتفريط حتى وصل بها الخوف إلى أنها فاوضت عم الغلام بالأمر وقالت له: إذا دامت حال ألفرد وحال ماري على ما هي عليه فلا أعجب إذا أفقت يوماً وأنا جدة وهناك الفضيحة فأنى لنا تلافي الخطب قبل استفحاله؟. . . فأطرق العم يفكر كأن مسألة الغلام معضلة ولا كالمعضلات ولما أعياه التفكير ولم يوفق إلى حل للمشكلة أشار عل الأم بأن تعقد مجلساً عائلياً تطرح عليه المسألة فيتدبرها ويبت فيها رأياً يكون فيه خير الفتى وراحة الأم. . .
عقد المجلس العائلي وشرحت له الأم أسباب قلقها وجزعها ولم يكن في المجلس غير شيوخ ماتت قلوبهم فباتوا يحسدون الشباب ويضيقون عليه الخناق كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. وبعد البحث والتفكير والمداولة قر رأيهم على إبعاد الفتى آملين بذلك بلوغ المرام فيفعل البعاد ما لم تفعله النصائح فتتزوج الفتاة من جهة ويسلوها الفتى من جهة أخرى. . . . .