للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم كلف المجلس عم ألفرد بإبلاغه ذلك القرار بالطرق التي يراها مناسبة طبقاً لحاسات

الفتى وأمياله. . . فجاء العمل صبيحة يوم إلى ابن أخيه فرآه غارقاً في بحر من الغرام كم تاهت فيه سفن وضلت مراكب فاقترب إليه وبادره بالسلام مبالغاً بالملاطفة والمؤانسة حتى هش له الفتى وما كان يبسم إلا لحبيبة قلبه. . . .

ولما شعر العم باستعداد الفتى لسماع كلامه قال له بمزيد من الحنان:

ها أنت قد أصبحت رجلاً بحمد الله وآن لك أن تسافر إلى بلاد أرقى ووسط أرفع فتتفقه بالأسفار ومخالطة الأقوام، ثم تعود إلينا وقد تحليت بالأدب والعلم والاطلاع فيكون لك بين قومك كلمة وشأن. . . ولن يطول زمن هجرتك أكثر من سنتين فقط، فما رأيك؟. . . .

فابتسم الفتى ابتسامة دلت على انزعاج واضطراب وقال: ما فكرت قط يا عماه بهذه السفرة وها أنا بعد سماعي ترغيبك إياي فيها وتشويقي إلى اقتحامها كما كنت من ذي قبل: لا أحب السفر. فأنا هنا مرتاح إلى الطبيعة وما أنجبت، غير طامع بالمزيد فلا تكرهوني على ما لا ترغب فيه نفسي. . . .

فعض العم على شفتيه وأخفى الكيد وأظهر الجلد وأخذ يسرد على ابن أخيه البراهين والحجج والأسباب التي تقضي عليه بالسفر حتى ضاقت بالفتى أنفاسه ورأى أنه لم يعد له بين ذويه مقام فطلب إلى عمه أن يمهله إلى الغد فيعطيه الجواب الأخير.

خرج العم ونظر الفتى إلى واقع الحال فراعه. . . فكر بافتراقه عن معبودة قلبه فهاله فكره وتذكر ساعات لقياها حيث حديث الغرام أرق من النسيم وأشجى من نوح الحمام فهاجت أشواقه الذكرى فبكى ولسان حاله ينشد:

لا مرحبا بغد ولا أهلاً به ... إن كان توديع الأحبة في غد

ثم سار إلى حيث يلتقي عادةً بحبيبة قلبه فوجدها بانتظاره فراعه اصفرارها - وقد خبرها ذووه بعزمهم على تسفير ألفرد ورجوا إليها مساعدتهم حباً بخير الفتى، فوافقتهم مكرهة - وما وصل إليها حتى عرته هزة يعرفها من وقف تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>