المواقف فتقدم إليها واجلاً مضطرب الجوارح خفاق الفؤاد ومد إليها يداً مرتجفة باردة، فشدت عليها بيد مرتجفة باردة، وتناظر الحبيبان فتفاهما وعلما أن لابد من الفراق فتجسم بنظرهما كل ما في قلوب العاشقين من وجد وجزع وطوقا بعضهما بعضاً بدافع غير منظور وشهقا بالدمع، حتى إذا هدت حيلهما تلك الدقيقة بما فيها من هول الوداع ضم الفتى شفتيه إلى شفتي الفتاة وجمع كل ما في نفسه
من هوى وطبعه على تينك الشفتين بطابع من نار فانتفضت الفتاة انتفاض من جرى في عروقه تيار كهربائي وتراجعت إلى الوراء مذعورة وتراجع مذعوراً وقد شعرا بخطورة الموقف فافترقا وقد مزق الوداع نسيج قلبيهما.
أفاق ألفرد في اليوم التالي منهوك القوى شاحب اللون وأخذ يتأهب للسفر فدخلت عليه أمه وفهمت أن رأيه قد قر على مغادرة البلاد فسرت من جهة وحزنت على فراق وحيدها من جهة أخرى ثم جاء الأهل والإخوان فودعهم ألفرد وهو ينظر إليهم شارد اللحظات ويكلهم وعقله وقلبه حيث حلت حبيبته ماري، ثم سار ووجهته باريس عروس المدن. . .
وصل مدينة النور وفي قلبه ظلام القبور ووحدة الأجداث وبات ليلته الأولى فيها كما يبيت الملسوع متقلباً على فراش الآلام والأوجاع. وقد حاول بعدها عبثاُ أن يسلي فؤاده فما كان يزداد إلا شوقاً وحنيناً إلى الوطن إلى تلك البقعة الصغيرة، حيث محبوبته. فإذا هب نسيم حمله إليها السلام وإذا رف طائر ناشده المروءة والدمع هتون أن يحمله إلى أرض ميعاده ولسان حاله ينشد:
يا طير صوب بلادنا خدني معك ... جسمي أرق من النسيم شو بيمنعك
قلي بيمنعني نحيبك والبكا ... خايف تبلل جانحي من مدمعك
مضت السنتان - وهما مدة أسر الفتى - وقد كانت كل ساعة منهما دهر. فعاد ألفرد إلى فلورنسا وهو يتساءل: ترى ما حل بماري؟. . . حتى إذا وصلها وقلبه