وقد صعقتها الحقيقة: إن ألفرد قد مات. . . سكبت دمعة محرقة وشعرت أن عروق قلبها قد تقطعت ثم أفاقت ونظرت إلى ما حوليها فراعها ذلك الموقف وما فيه من أسباب القيل والقال فاستجمعت رشدها وصممت على رأي وقامت إلى زوجها فنادته فأفاق فقصت عليه كل ما حدث كأنها تروي حادثة وقعت لسواهم بعيدة عنهم ثم قالت: حينئذ ما كان يجب على أهل البيت أن يفعلوا وأمامهم تلك الجثة؟ فقال: كان يجب عليهم أن يقوموا إلى الجثة وينقلوها بكل هدوء إلى بيتها ويتركوها على الباب فيظن القوم في الصباح أن فقيدهم مات قضاء وقدراً. . .
فقالت: إذن قم وافعل ذلك بالجثة في سريري. . .
فذعر الرجل ثم ثاب إلى رشده وقد تحقق أن امرأته صادقة في كل ما روت فقام إلى جثة ألفرد ونقلها بمساعدة امرأته حتى أوصلها إلى باب منزله فتركاها هنالك وعادا من حيث أتيا والحزن ملء قلب ماري. . .
أصبح الصباح فوجد أهل ألفرد جثة الفتى على الباب فأعولوا وندبوا واستدعوا الطبيب فجاء وفحص الجثة فإذا الموت طبيعي فقرروا أنه كان قضاء وقدراً.
واحتفلوا بتشييع الجنازة فقال الرجل الذي مات ألفرد في بيته لامرأته: قومي بنا إلى
الكنيسة نرافق الجثة حتى لا يخالج الناس ريب. فقامت والحزن يقتلها وقد عاد إلى ذهنها ذكر أيامها الأولى فسارت خلف الجثة وعينها تسكب الدمع مدراراً حتى إذا وصلوا بها إلى الكنيسة وصولا عليها وهموا بحملها إلى مرقدها الأخير سمع القوم صرخة هي أشبه بتنهيد عميق تلاه هبوط جسم إلى صحن الكنيسة. . فتراكض الناس فإذا ماري جثة هامدة تحت تابوت ألفرد. . . .
راع ذلك المنظر القوم المحتشد فأحنوا الرؤوس خشوعاً وسكتت القلوب اضطراباً واحتراماً وجعلوا الجثتين في تابوت واحد وواروهما في لحدٍ واحد كأنهم شعروا بأن ليس لهم أن يفرقوا جسمين اتحدت روحاهما بالموت. . .
وهكذا اتحد هذان العاشقان في اللحد بعد أن افترقا على الأرض وقد فعل الموت ما لم يفعل الحب. . .