للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليت شعري متى تقف أنانية الرجل وحيوانيته عند حد يسمح لهذا الجزء بالرقي إلى أسمى درجات الكمال الأدبي؟. . .

متى تفيق هذه النفس المتخدرة أعصابها بملاذ المحسوسات الخارجية، المعرضة عن الإصغاء إلى نغماتها الداخلية، اللاهية بزخرف المرئيات التي تجعلها آلة في يد ما يحدثه محيطها من المؤثرات الخادعة؟. . .

متى تحس هذه النفس الملتحفة بأسمال العار الثملة من سورات الرخاء؟ شعلة رفق وحنان تذكرها بأختها أليفة الهم والكرب، حليفة الجهاد والعمل، ربة الخلة والعيال، نزيلة الكوخ والغار فتأوي إلى مفاقرها، وتلوي إلى خفيف أثقال أبهظت كاهلها، وفتت في ساعدها، وخلفتها كالأرض البراح مضرعة مستضعفة في زوايا هذا الكيان.

ثمانون قرناً مرت على هذا المجتمع، وويلات البشرية المتألمة لم تخفف بعد.

آلامها التي كانت ترزح تحتها هي نفس الآلام التي لا تزال تئن منها، والقروح التي كانت بالأمس تأكل لحمها هي نفس القروح التي تنخر اليوم عظمها. جمود متسولٍ على الطبقة العليا من بني الإنسان، قاض على شعورها، حائل دون رقي روحها، ولولاها لما رأينا الشقوة تبلغ حدها من هذا الوجود المملوء أوزاراً وأتعاباً:

هذا الوجود، الذي يمثل الحاكم الظالم والشعب الخائن، بعيد عن العمران مائل إلى الانتقاض.

<<  <  ج: ص:  >  >>