للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصر وتنافلت نفثاته صحف الأقطار فعرفته البلاد العربية، والريحاني صاحب الريحانيات الزهرات عرفته سورية وأمريكا ومصر كاتباً عربيةً كما عرفه الأنكلوساكسون كاتباً إنكليزياً، ولكلا الكاتبين مقام رفيع في قومه، ومنزلة سامية عند قرائه. وهما يتشابهان بأشياء ويختلفان بأشياء.

عرفت الاثنين فعرفت فيهما نفسين منزهتين وإن اختلفا في المبدأ والنظر إلى الأمور. يدافع كل منهما عن رأيه وفكره دون أن يغضبك في رأيك وفكرك، رائدهما الوئام، وغايتهما السلام، يقول لك المنفلوطي:

ورضا البعض فيه للبعض سخط ... ورضا الكل غاية لا تنال

ويقول الريحاني لقارئه: في كل حالٍ لا أنسى انك أكلت من جفنتي وشربت من إبريقي ونمت في خيمتي فأنت إذن أخي وإن كنت خصمي، فإن افترقنا فكما ترافقنا متحابين لا متخاصمين. فقد تجد بعد هذا في آراء الكاتبين وأحكامهما في العالم الكتابي أو الاجتماعي ما لا يوافق رأيك أو حكمك ولكنك لا تغضب ولو رأيت منهما ما يؤلم.

قال أحد المؤرخين: يختلف الحكم على الثورة الفرنسوية باختلاف المكان الذي نظر الناس إليها منه. فمنهم من رآها وهو في الشارع، ومنهم من رآها من شرفات بيته، ومنهم من رآها من أعلى آلة الإعدام، وكل يحكم حسب ما رأى.

نظر المنفلوطي والريحاني إلى المجتمع الإنساني، فحكم عليه كل منهما حسب المكان الذي وقف فيه لينظر: لم يعرف الأول من بلاد الله إلا مصر ولكن مصر مجتمع قارات ثلاث فكأنه عرف بلاداً كثيرة إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>