كلنا يعلم أن بذور الشر والجريمة سهل زرعها في الصغير. ومتى شب عليها تمكنت منه فقادته إلى شر الهلاك وكانت عاقبة أمره الدمار. ومن النادر أن ترى مجرماً لم تتمكن فيه عاداته وأعماله منذ الصغر. فإذا لم ينقد الفتى في ما بين الرابعة عشرة والعشرين من عمره إلى الشرور والجرائم لا خوف عليه من التهور فيها بعد ذلك. فالعمر المذكور هو الذي تنمو فيه أخلاق الفتى والفتاة، وتتكون فيهما العواطف والانفعالات فيكونان شديدي التأثر من الانفعالات الداخلية والمؤثرات الخارجية على السواء. فإن كانت هذه الانفعالات والمؤثرات رديئة فاسدة تمكنت في الولد فيشب عليها ويصبح شريراً فاسداً، والعكس بالعكس.
وهذا معنى قولهم العلم في الصغر كالنقش في الحجر.
ثلاثة عوامل تؤثر في الولد في صغره فتقوده إما إلى النعيم وإما إلى الجحيم:
أولها أوهمها في غرس المبادئ وإنمائها هو البيت وأعني به كل ما هو داخل البيت وخارجه من العوامل والفواعل التي تؤثر في الولد في حداثته كتصرف الأب والأم والأخوة
والأخوات وطرق المعاملة بينهم إلى غير مما لا نحتاج لذكره الآن.
والعامل الثاني هو المدرسة فكل ما يجري بالمدرسة من تصرف المعلمين ومعاملتهم لتلاميذهم وسلوك التلاميذ مع بعضهم البعض وسياسة المدرسة نفسها كل هذه أو بعضها معاً تؤثر في الولد أشد التأثير فلهذا يختار في المدارس الراقية أفضل المعلمين صفات وآداباً وعلماً وتسن القوانين والنظامات التي تؤول إلى خير الولد علماً وأدباً.