والعامل الثالث هو الدين ويراد به مجموع التعاليم والفوائد الدينية التي يأخذها الإنسان لنفسه دستوراً فيعيش سالكاً بموجبه.
فالدين من أشد المؤثرات على الأفعال وهو الضابط لكثير من الشرور والقبائح والمانع لضروب من المفسدات والجرائم.
فإن عجز البيت عن إتمام واجباته فقد أعظم العوامل في تربية الولد فتقع إذ ذاك المسؤولية على أولياء الأمور وقد يعجز هؤلاء في أغلب الأحيان عن القيام بأعباء ما يلقى إليهم من إتمام واجبات آباء أهملوا شأن أولادهم. وقد رأينا أن الحكومة في الماضي كانت تعامل أولاداً كهؤلاء معاملة البالغين تماماً متغاضية عن البون الشاسع بين الفريقين. ولكنها قد أفاقت من غفلتها وسرى إليها حب السعي والإقدام والقيام بالواجب فسعت في هذه الأيام لتخفيف ويلات الأحداث غير البالغين فأصدرت لذلك في أكثر الممالك المتمدنة القوانين والنظامات بمنع تشغيل الحدث كالرجل لاسيما في المعامل والمعادن. فقامت عليها قيامة أصحاب المعامل والمعادن فأصلتهم حرباً عواناً دارت عليهم بها الدائرة. ولما رأت أن هذا لا يعد إصلاحاً تاماً عاودت الكرة فكانت هذه أشد من الأولى لأنها عرفت أصل الفساد ومنبع الشرور فأعدت لذلك سبيلاً إذ أنشأت محاكم خصوصية للنظر في شؤون الأحداث وطرق إصلاحهم فكان ذلك من أجل ما فعلته لإصلاح الأحداث.
هذه هي المحاكم التي نحن بصددها الآن وسنأتي على تفصيلها وبيان أحوالها في العدد الثاني إن شاء الله.