كنا نرى فرسانهم يحثون خيولهم هاربين مسرعين. ولم يكن يعبأ العثمانيون بنيران العدو بل كانوا يتقدمون إلى الأمام وهم لا يطلقون بنادقهم لأن قنابل مدافعهم كانت تكفل لهم وحدها هزيمة اليونان.
وكان هؤلاء قد تكاثر عددهم وتألبت جموعهم حينئذ، غير أن المدافع العثمانية أمطرتهم ناراً حامية فرأينا إحدى كتائبهم قد نكصت على أعقابها وارتدت إلى الوراء تريد الالتجاء إلى دوموكوس. فكان ذلك بدء انهزامهم لأننا ما لبثنا أن رأينا فرقهم تتشتت عن شمالنا، وتحرق القرى والدساكر في طريقها وهي فارة لا تلوي على شيء. وتصاعد لهيب النار حينئذ إلى عنان الجو، وتلبد الدخان في الفضاء فذعرت الطير في أوكارها، وروعت اللقالق في أعشاشها فكنا نراها هاربة خائفة تمر فوق رؤوسنا مرور السهام أطلقت عن القوس.
وكان العثمانيون يتقدمون بسرعة إلى مواقف العد حتى أصبحنا نرى الجيشين مرأى العين. وحينئذ انصلت الفرقتان العثمانيتان فمشت فرقة نشأت باشا بقدم ثابتة في وسط السهل إلى شبه تلة صخرية عالية، وسارت فرقة الحاج خيري باشا إلى الشمال. وكان اليونانيون قد تحصنوا خلف قمم من التراب أقاموها للاحتماء بها فأخذوا يطلقون نيرانهم من ورائها. ووقعت في تلك الساعة قنبلة على قيد خطوتين منا ولكنها لم تنفجر ولم تزحزح الكولونل بوي دلاتور رئيس البعثة السويسرية الحربية الذي كان واقفاً إلى جانبي فالتفت إلي وتبسم ابتساماً معنوياً، ثم تناول علبة طون من جرابه وأشار إلي فتقدمت منه واقتسمناها