لم يهتدوا إلى تبويب وتدوين قواعدها وقوانينها إلا بعد توطئة نوابغ نحويي الإسلام للطريق. وبعد ما ألف سيبويه كتابه وجمع أبو عبيد غريبه ورتب الراغب مفرداته حملت بعض أساتذة اليهود الغيرة على الاقتداء بهم. وقد سهل ذلك عليهم ما بين اللغتين من التقارب والتشابه فلما استهل عند الإفرنج قمر المعارف صار لاهوتيوهم يأخذون من علماء اليهود تفسير التوراة. وبتقفية الآثار تدرجوا إلى الموارد العربية فأصبح كل من يرغب في الوقوف على حقائق معاني التوراة طالباً للعربية لا يستغني عن طرف منها. فالسبب الأصلي في تأسيس أستاذيات اللغة العربية عند الإفرنج هو ديني صرف أضيف إليه ما كان اشتهر من حذق أطباء العرب وحكمائهم ومنجميهم وأنه لم يزل عندهم متون أئمة اليونان القدماء وشروحها وكان طلبة الطب عندنا قبل ٢٥٠ سنة يضطرون إلى حضور دروس مدرس العربية. ثم عندما بلغت حرية الأفكار ما بلغت وأنتجت علوم جديدة تنقر عن الإنسان من حيث هو إنسان وتبحث عن مصادر السياسات والأديان وتاريخ الممالك
والبلدان واختلاف الأنواع باختلاف الزمان والمكان لم يخف على المتبحرين في هذه العلوم اتساع الممالك الإسلامية وعظم ما تشتمل عليه من الموارد اللازمة لأشغالهم من آثار متواثرة وعوائد غير محل بها ومذاهب متشعبة وطرائق متفاوتة فازدادوا رغبة في الحصول على الآلات التي تمكنهم من الاكتشاف عن خفايا التاريخ وهؤلاء لابد لهم من الاستشراق.