فَرْعٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِذَا اخْتَلَفَا فِي الرَّحْلَةِ، رحَلَ لَا مَكْبُوبًا وَلَا مُسْتَلْقِيًا. قِيلَ: الْمَكْبُوبُ أَنْ يَجْعَلَ مُقَدَّمَ الْمَحْمَلِ أَوِ الزَّامِلَةَ أَوْسَعَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ، وَالْمُسْتَلْقِي عَكْسُهُ. وَقِيلَ: الْمَكْبُوبُ بِأَنْ يُضَيِّقَ الْمُقَدَّمَ وَالْمُؤَخَّرَ جَمِيعًا، وَالْمُسْتَلْقِي أَنْ يُوَسِّعَهُمَا جَمِيعًا. وَعَلَى التَّفْسِيرَيْنِ، الْمَكْبُوبُ أَسْهَلُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَالْمُسْتَلْقِي أَسْهَلُ عَلَى الرَّاكِبِ. فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِمَا، حُمِلَا عَلَى الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ، وَكَذَا إِذَا اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ.
لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ مَنْعُ الرَّاكِبِ مِنَ النَّوْمِ فِي وَقْتِهِ. وَيَمْنَعُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ النَّائِمَ يَثْقُلُ، قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ.
قَدْ يَعْتَادُ النُّزُولَ وَالْمَشْيَ لِلْإِرَاحَةِ، فَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَنْزِلَ أَوْ لَا يَنْزِلَ، اتُّبِعَ الشَّرْطُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيَعْرِضُ فِي شَرْطِ النُّزُولِ إِشْكَالٌ، لِانْقِطَاعِ الْمَسَافَةِ، وَيَقَعُ فِي كِرَاءِ الْعُقَبِ. قَالَ: لَكِنَّ الْأَصْحَابَ احْتَمَلُوهُ لِلْحَاجَةِ. وَإِنْ أَطْلَقَا، لَمْ يَجِبِ النُّزُولُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ. وَفِي الرَّجُلِ الْقَوِيِّ وَجْهَانِ، لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْعَادَةِ. وَهَكَذَا حُكْمُ النُّزُولِ عِنْدَ الْعَقَبَاتِ الصِّعَابِ.
قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَفِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ، الشَّيْخُ الْعَاجِزُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ كَانَتْ لَهُ وَجَاهَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَشُهْرَةٌ يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ فِي الْعَادَةِ الْمَشْيُ. ثُمَّ الْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِي طَرِيقٍ يَعْتَادُ النُّزُولَ فِيهِ لِإِرَاحَةِ الدَّابَّةِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً، لَمْ يَجِبْ مُطْلَقًا، وَلَمْ نُصَحِّحْ شَيْئًا مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّجُلِ الْقَوِيِّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ وُجُوبَ النُّزُولِ عِنْدَ الْعَقَبَاتِ، دُونَ الْإِرَاحَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute