وَفِيهِ الْوَجْهُ الْمَنْسُوبُ إِلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ سَلِمَةَ، وَلَوْ جَنَى بِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، كَالْجَائِفَةِ وَكَسْرِ الذِّرَاعِ، فَأَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْأَرْشَ، ثُمَّ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ، وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ قَالَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ: عَفَوْتُ عَنِ الْقِصَاصِ، فَهُوَ لَغْوٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَا قِصَاصَ فِيهَا.
وَلَوْ عَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْ قَطْعِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا عَلَى الدِّيَةِ، ثُمَّ عَادَ الْجَانِي فَحَزَّ رَقَبَتَهُ، نُظِرَ، إِنْ حَزَّ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وِدِيَةُ الْيَدِ، وَإِنْ حَزَّ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا قِصَاصَ، لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ بَعْضِ النَّفْسِ، لَكِنْ لَهُ الْبَاقِي مِنَ الدِّيَةِ، وَأَصَحُّهُمَا: يَجِبُ الْقِصَاصُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، فَهَلْ لَهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، أَمِ الْبَاقِي مِنَ الدِّيَةِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي.
السَّادِسَةُ: عَفَا الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، صَحَّ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْجَانِي قِصَاصُ طَرَفِ إِنْسَانٍ وَنَفْسِهِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ مُسْتَحِقُّ هَذَا غَيْرَ مُسْتَحِقِّ ذَاكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ عَفْوَ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْآخَرِ، وَمِنْ صُوَرِهِ أَنْ يَقْطَعَ عَبْدٌ يَدَ عَبْدٍ، فَيَعْتِقُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْرِي إِلَى نَفْسِهِ، فَالْقِصَاصُ فِي الْيَدِ لِلسَّيِّدِ، وَفِي النَّفْسِ لِوَرَثَةِ الْعَتِيقِ.
وَإِنِ اسْتَحَقَّهُمَا وَاحِدٌ، فَعَفَا عَنِ النَّفْسِ، وَأَرَادَ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ، فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَانْفَرَدَ الْغَزَالِيُّ بِحِكَايَةِ وَجْهٍ فِيهِ، وَإِنْ عَفَا عَنِ الطَّرَفِ، لَمْ يَسْقُطْ قِصَاصُ النَّفْسِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَلَوِ اسْتَحَقَّ قِصَاصَ النَّفْسِ بِقَطْعِ الطَّرَفِ، بِأَنْ كَانَ الْجَانِي قَدْ قَطَعَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ، وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ، ثُمَّ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ قِصَاصِ النَّفْسِ، فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُ الطَّرَفِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْقَتْلُ، وَالْقَطْعُ طَرِيقُهُ، وَقَدْ عَفَا عَنِ الْمُسْتَحَقِّ، وَإِنْ عَفَا عَنِ الْقَطْعِ، فَلَهُ حَزُّ رَقَبَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute