فَرْعٌ
لَوْ مَرِضَ مَنْ خَرَجَ لِلْجِهَادِ أَوْ عَرَجَ، أَوْ فَنِيَ زَادُهُ، أَوْ هَلَكَتْ دَابَّتُهُ، فَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْوَقْعَةَ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الْعُذْرُ حَاصِلًا وَقْتَ الْخُرُوجِ، فَإِنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الثَّبَاتُ أَمْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْوَجْهَانِ إِذَا لَمْ يُورِثِ انْصِرَافُهُ فَشَلًا فِي الْجُنْدِ، فَإِنْ أَوْرَثَهُ، حُرِّمَ الرُّجُوعُ قَطْعًا، وَفِي «التَّهْذِيبِ» فِي صُورَةِ مَوْتِ الدَّابَّةِ يَلْزَمُهُ الْقِتَالُ رَاجِلًا إِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إِذَا انْقَطَعَ عَنْهُ سِلَاحُهُ، أَوِ انْكَسَرَ، لَزِمَهُ الْقِتَالُ بِالْحِجَارَةِ إِنْ أَمْكَنَهُ.
حَيْثُ جَوَّزْنَا الِانْصِرَافَ لِرُجُوعِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ صَاحِبِ الدَّيْنِ عَنِ الْإِذْنِ، أَوْ لِحُدُوثِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، فَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ، وَيُخْشَى مِنَ انْصِرَافِهِمْ خَلَّلٌ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَلَوِ انْصَرَفَ لِذَهَابِ نَفَقَةٍ، أَوْ هَلَاكِ دَابَّةٍ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ وَالدَّابَّةِ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ، لَزِمَهُ الرُّجُوعُ لِلْجِهَادِ، وَإِنْ كَانَ فَارَقَ بِلَادَ الْكُفْرِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ، وَعَنْ نَصِّهِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِلْجِهَادِ، وَبِهِ عُذْرُ مَرَضٍ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ، وَصَارَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنِ الْغَزْوِ، وَكَذَا لَوْ حَدَثَ الْعُذْرُ، وَزَالَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ.
مَنْ شَرَعَ فِي قِتَالٍ وَلَا عُذْرَ لَهُ، لَزِمَهُ الْمُصَابَرَةُ، وَعَبَّرَ الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْجِهَادَ يَصِيرُ مُتَعَيَّنًا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِالشُّرُوعِ، وَلَوِ اشْتَغَلَ شَخْصٌ بِالتَّعَلُّمِ، وَأَنِسَ الرُّشْدَ فِيهِ مِنْ نَفْسِهِ، هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُهُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَشْرُوعِ فِيهِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ، فَإِنَّ رُجُوعَهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّخْذِيلِ، وَهَلْ يَجِبُ إِتْمَامُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute