«مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ» ، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَيْهِ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يُوصَفْ بِكَرَاهَةٍ، بَلْ هُوَ لَغْوُ يَمِينٍ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» .
السَّادِسَةُ: إِذَا قَالَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، فَأَنَا يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ بَرِىءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوْ مِنَ الْكَعْبَةِ، أَوْ مُسْتَحِلٌّ الْخَمْرَ أَوِ الْمَيْتَةَ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْحِنْثِ بِهِ، ثُمَّ إِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْهُ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الرِّضَا بِذَلِكَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إِذَا فَعَلَهُ، فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْحَالِ.
قُلْتُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِذَا لَمْ يَكْفُرْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَيُسْتَدَلُّ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» . وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِكُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِقُبْحٍ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ. وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ كَلَامٍ قَبِيحٍ مُحَرَّمٍ، وَسَتَأْتِي صِفَةُ التَّوْبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ جُمَلًا كَثِيرَةً مِنْ حُكْمِ الْأَلْفَاظِ الْقَبِيحَةِ، وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَطُرُقِ الْخُرُوجِ مِنْهَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
السَّابِعَةُ: قَالَ أَهْلُ اللِّسَانِ: حُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلَاثَةٌ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ الْمُثَنَّاةُ فَوْقُ، قَالُوا: وَالْأَصْلُ الْبَاءُ وَهِيَ مِنْ صِلَةِ الْحَلِفِ، كَأَنَّ الْقَائِلَ يَقُولُ: حَلِفْتُ بِاللَّهِ، أَوْ أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ، أَوْ آلَيْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ وَفُهِمَ الْمَقْصُودُ، حُذِفَ الْفِعْلُ، وَيَلِي الْبَاءَ الْوَاوُ، لِأَنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمُضْمَرِ تَقُولُ: بِكَ وَبِهِ لَأَفْعَلَنَّ، كَمَا تَدْخُلُ فِي الْمُظْهَرِ، وَالْوَاوُ تَخْتَصُّ بِالْمُظْهَرِ فَتَأَخَّرَتْ، وَالتَّاءُ بَعْدَ الْوَاوِ، لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى «اللَّهِ» ، فَإِذَا قَالَ بِاللَّهِ - بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - لَأَفْعَلَنَّ، فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقْ، فَهِيَ يَمِينٌ لِاشْتِهَارِ الصِّيغَةِ بِالْحَلِفِ لُغَةً وَشَرْعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute