الْمُجْمِعِينَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَتَمَكَّنُ أَحَدُهُمْ مِنَ الرُّجُوعِ، بَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ مَعَ قَوْلِ سَائِرِ الْمُجْتَمِعِينَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، كَمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْكُتُوا، فَلَا يُصَرِّحُوا بِمُوَافَقَتِهِ وَلَا مُخَالَفَتِهِ فَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْمُسْتَصْفَى» أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ لَوْ خَالَفُوهُ، لَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ، لَكِنْ هَلْ هُوَ إِجْمَاعٌ أَمْ حَجَّةٌ غَيْرُ إِجْمَاعٍ؟ وَجْهَانِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: هَذَا إِذَا لَمْ يَظْهَرْ أَمَارَاتُ الرِّضَى مِمَّنْ سَكَتَ، فَإِنْ ظَهَرَتْ فَإِجْمَاعٌ بِلَا خِلَافٍ، قَالُوا: وَالْأَصَحُّ هُنَا اشْتِرَاطُ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فِي كَوْنِهِ حَجَّةً أَوْ إِجْمَاعًا، وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً وَإِجْمَاعًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مُجَرَّدَ فَتْوًى، أَوْ حُكْمًا مِنْ إِمَامٍ أَوْ قَاضٍ؟ فِيهِ طَرُقٌ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنْ كَانَ فَتْوًى، فَحُجَّةٌ، وَإِنْ كَانَ حُكْمًا، فَلَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْإِمَامِ لَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ، وَلَعَلَّ السُّكُوتَ لِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَكْسَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَصْدُرُ عَنْ مُشَاوَرَةٍ وَمُرَاجَعَةٍ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا فَرْقَ، وَكَانُوا يَعْتَرِضُونَ عَلَى الْإِمَامِ كَغَيْرِهِ، فَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَدِّ، وَعُمْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُشْرِكَةِ.
وَمُخْتَصَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَوْجُهٌ، الصَّحِيحُ أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَالثَّانِي حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ، وَالثَّالِثُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالرَّابِعُ مِنَ الْمُفْتِي حُجَّةٌ، وَمِنَ الْحَاكِمِ لَا، الْخَامِسُ عَكْسُهُ هَذَا إِذَا نُقِلَ السُّكُوتُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُنْقَلْ قَوْلٌ وَلَا سُكُوتٌ، فَيَجُوزُ أَنْ لَا يُلْحَقَ بِهَذَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى السُّكُوتِ.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ أَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ كَنَقْلِ السُّكُوتِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute