للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطَّرَفُ الثَّانِي فِي مُسْتَنَدِ قَضَائِهِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ، إِحْدَاهَا: يَقْضِي بِالْحُجَّةِ بِلَا شَكٍّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةٌ، وَعَلِمَ صِدْقَ الْمُدَّعِي، فَهَلْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ؟ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ قَطْعًا، وَأَشْهَرُهُمَا قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، وَهُوَ يُفِيدُ ظَنًّا، فَالْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ أَوْلَى، وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُ مِنَ التُّهْمَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي وَصَحَّ [لَدَيَّ] كَذَا، لَزِمَهُ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَمْ يَبْحَثْ عَمَّا ثَبَتَ بِهِ وَصَحَّ، وَالتُّهْمَةُ قَائِمَةٌ، وَسَوَاءٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا عَلِمَهُ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا، وَمَا عَلِمَهُ فِي غَيْرِهِمَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، فَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُسْتَنَدُهُ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ، أَمَّا إِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ تُعْرَفُ عَدَالَتُهُمَا، فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ وَيُغْنِيهِ عِلْمُهُ بِهَا عَنْ تَزْكِيَتِهِمَا، وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِلتُّهْمَةِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ. قَضَى، وَذَلِكَ قَضَاءٌ بِإِقْرَارٍ لَا بِعِلْمِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ سِرًّا، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: يَقْضِي قَطْعًا. وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ، فَهَلْ يُغْنِيهِ عِلْمُهُ عَنِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ عَلَى قَوْلِ الْمَنْعِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا. وَإِذَا قُلْنَا: يَقْضِي بِعِلْمِهِ، فَذَلِكَ فِي الْمَالِ قَطْعًا وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَلَا يَجُوزُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ، وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ، بَلْ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَهُ عَمَّا ادَّعَاهُ، وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَبْلَهُ حَيٌّ، أَوْ رَآهُ قَبْلَهُ غَيْرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ سَمِعَ مُدَّعِي الرِّقِّ بِعِتْقِهِ، وَمُدَّعِي النِّكَاحِ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا، وَتَحَقَّقَ كَذِبَ الشُّهُودِ، امْتَنَعَ مِنَ الْقَضَاءِ قَطْعًا. وَكَذَا إِذَا عَلِمَ فِسْقَ الشُّهُودِ، ثُمَّ إِنَّ الْأَصْحَابَ مَثَّلُوا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَقَدْ رَآهُ الْقَاضِي أَقْرَضَهُ ذَلِكَ، أَوْ سَمِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>