للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلْيُقِمْهَا فِي وَجْهِ الْخَصْمِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْمَعَ عَلَى الْقَاضِي بَيِّنَةً، وَلَا يُطَالِبَ بِيَمِينٍ، كَمَا لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّكَ شَاهِدِي.

الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي التَّسْوِيَةِ وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: لِيُسَوِّ الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولِهِمَا عَلَيْهِ، وَفِي الْقِيَامِ لَهُمَا، وَالنَّظَرِ فِيهِمَا وَالِاسْتِمَاعِ، وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ، فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُسَوِّي فِي جَوَابِ سَلَامِهِمَا، فَإِنْ سَلَّمَا، أَجَابَهُمَا مَعًا، وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا، قَالَ الْأَصْحَابُ: يَصْبِرُ حَتَّى يُسَلِّمَ الْآخَرُ، فَيُجِيبَهُمَا: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا إِذَا طَالَ الْفَصْلُ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ لِلْآخَرِ: سَلِّمْ، فَإِذَا سَلَّمَ، أَجَابَهُمَا، وَكَأَنَّهُمُ احْتَمَلُوا هَذَا الْفَصْلَ مُحَافَظَةً عَلَى التَّسْوِيَةِ، وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا لَهُ تَرَكَ الْجَوَابِ مُطْلَقًا وَاسْتَبْعَدَهُ.

وَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ، فَيُجْلِسُ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ إِنْ كَانَا شَرِيفَيْنِ، أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ الْأَوْلَى عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا، فَالصَّحِيحُ - وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ - أَنَّهُ يَرْفَعُ الْمُسْلِمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَالثَّانِي: يُسَوِّي. وَيُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَ الْوَجْهَانِ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ، ثُمَّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

الثَّانِيَةُ: لِيُقْبِلْ عَلَيْهِمَا بِمَجَامِعِ قَلْبِهِ، وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَلَا يُمَازِحُ أَحَدَهُمَا، وَلَا يُضَاحِكُهُ، وَلَا يُشِيرُ إِلَيْهِ، وَلَا يُسَارُّهُ، وَلَا يَنْهَرُهُمَا، وَلَا يَصِيحُ عَلَيْهِمَا إِذَا لَمْ يَفْعَلَا مَا يَقْتَضِي التَّأْدِيبَ، وَلَا يَتَعَنَّتُ الشُّهُودَ بِأَنْ يَقُولَ: لِمَ تَشْهَدُونَ؟ وَمَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ؟ وَلَا يُلَقِّنُ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى بِأَنْ يَقُولَ: ادَّعِ عَلَيْهِ كَذَا، وَلَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ، وَلَا يُجْرِي الْمَسَائِلَ إِلَى النُّكُولِ عَلَى الْيَمِينِ، وَكَذَا لَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ الشَّهَادَةَ، وَلَا يُجَرِّئُهُ إِذَا مَالَ إِلَى التَّوَقُّفِ، وَلَا يُشَكِّكُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ إِذَا أَرَادَ الشَّهَادَةَ. هَذَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَأَمَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>