فَرْعٌ
الْكَنْزُ الْمَوْجُودُ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَارَةً يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَتَارَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ. فَالَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، إِنْ وُجِدَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُعَمِّرْهُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فَهُوَ رِكَازٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَوَاتًا أَوْ مِنَ الْقِلَاعِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي عُمِرَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَإِنْ وُجِدَ فِي طَرِيقٍ مَسْلُوكَةٍ فَالْمَذْهَبُ وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَفَّالُ أَنَّهُ لُقَطَةٌ. وَقِيلَ: رِكَازٌ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. وَالْمَوْجُودُ فِي الْمَسْجِدِ لُقَطَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَجِيءُ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي فِي الطَّرِيقِ أَنَّهُ رِكَازٌ. وَمَا عَدَا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ، يَنْقَسِمُ إِلَى مَمْلُوكٍ وَمَوْقُوفٍ، فَالْمَمْلُوكُ إِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ وَوَجَدَ فِيهِ كَنْزًا، لَمْ يَمْلِكْهُ الْوَاجِدُ، بَلْ إِنِ ادَّعَاهُ مَالِكُهُ، فَهُوَ لَهُ بِلَا يَمِينٍ، كَالْأَمْتِعَةِ فِي الدَّارِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِمَنْ تَلَقَّى صَاحِبُ الْأَرْضِ الْمِلْكَ مِنْهُ. وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الَّذِي أَحْيَا الْأَرْضَ، فَيَكُونُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْيَاءِ مَلَكَ مَا فِي الْأَرْضِ، وَبِالْبَيْعِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مَدْفُونٌ مَنْقُولٌ. فَإِنْ كَانَ مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ عَنْهُ هَالِكًا فَوَرَثَتُهُ قَائِمُونَ مَقَامَهُ. فَإِنْ قَالَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ: هُوَ لِمُوَرِّثِنَا، وَأَبَاهُ بَعْضُهُمْ - سُلِّمَ نَصِيبُ الْمُدَّعِي إِلَيْهِ، وَسُلِكَ بِالْبَاقِي مَا ذَكَرْنَاهُ. هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ صَرِيحًا وَإِشَارَةً.
وَمِنَ الْمُصَرِّحِينَ بِمِلْكِ الرِّكَازِ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الْقَفَّالُ. وَرَأَى الْإِمَامُ تَخْرِيجَ مِلْكِ الرِّكَازِ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى مَا لَوْ دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارًا فَأَغْلَقَ صَاحِبُهَا الْبَابَ لَا عَلَى قَصْدِ ضَبْطِهَا. وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: لَا يَمْلِكُهَا، وَلَكِنْ يَصِيرُ أَوْلَى بِهَا. كَذَلِكَ الْمُحْيِي يَصِيرُ أَوْلَى بِالْكَنْزِ. ثُمَّ إِذَا قُلْنَا: الْكَنْزُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَزَالَتْ رُقْبَةُ الْأَرْضِ عَنْ مِلْكِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ وَرَدِّهِ إِلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ، وَلَكِنْ يَصِيرُ أَوْلَى بِهِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ رِقْبَةِ الْأَرْضِ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ. كَمَا أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الظَّبْيَةِ إِذَا قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا، فَفَتَحَ الْبَابَ وَأَفْلَتَتْ، مَلَكَهَا مَنِ اصْطَادَهَا.
التَّفْرِيعُ: إِنْ قُلْنَا: الْمُحْيِي لَا يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ، فَإِذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ، أَخْرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute