وتعلّم عمل الخوص، فقيل له: لم نعمل هذا وأنت أمير! وقد أجري عليك رزق، فقال: إني أحببت أن آكل من عمل يدي. وكان يتصدق بما يرزق من بيت المال، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها.
وقال صلى الله عليه وسلم:«لو كان الدّين في الثريا لناله سلمان».
أبو هريرة رضي الله عنه، كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ سورة الجمعة، فلما قرأ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [الجمعة: ٣]- وفينا سلمان- وضع يده على سلمان، ثم قال:«لو كان الإيمان عند الثريا لنا له رجل من هؤلاء».
وتوفّي في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه، وما ترك شيئا يورث عنه. وفضائله كثيرة.
وعلى قولهم لأبي بكر:«لا، ويغفر الله لك»، قال أبو محمد في الدّرة: وربما أجاب المستخبر بلا النافية، ثم عقبها بالدعاء له، فيستحيل الكلام إلى الدعاء عليه، كما روي أنّ أبا بكر رضي الله عنه رأى رجلا، بيده ثوب، فقال: أتبيع هذا؟ فقال لا عافاك الله، فقال أبو بكر رضي الله عنه لقد علمتم لو تعلمون! فهلا قلت: لا وعافاك الله! .
قال أبو محمد: والمستحسن ما قال يحيى بن أكتم للمأمون، وقد سأله عن أمر فقال: لا؛ وأيد الله أمر أمير المؤمنين.
وحكي أنّ الصاحب بن عباد لمّا سمع هذه الحكاية، قال: والله لهذه الواو أحسن من واوات الأصداغ، في خدود المرد الملاح.
***
وكنت مع اشتيار شهده، وانتشاق رنده، أشهد مشاجر الخصوم، وأسفر بين المعصوم منهم والموصوم، فبينما القاضي جالس للإسجال، في يوم المحفل والاحتفال؛ إذ دخل شيخ بالي الرّيا، وبادي الارتعاش؛ فتبصّر الحقل تبصّر نقّاد، ثم زعم أنّ له خصما غير منقاد؛ فلم يكن إلا كضوء شرارة، أو وحي إشارة؛ حتّى أحضر غلام، كأنّه ضرغام فقال الشيخ: أيّد الله القاضي، وعصمه من التغاضي، إن ابني هذا كالقلم الرّدي، والسّيف الصّدي، يجهل أوصاف الإنصاف، ويرضع أخلاف الخلاف، إن أقدمت أحجم، وإذا أعربت أعجم، وإن أذكيت أخمد، ومتى شويت رمّد؛ مع أني كفلته مذ دبّ، إلى أن شبّ، وكنت له الطف من ربّي وربّ فأكبر القاضي ما شكا إليه، وأطرف به من حواليه، ثم قال: أشهد أنّ العقوق أحد الثّكلين، ولربّ عقم أقرّ للعين.