للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم» (١).

وفيه عن أسيد بن جابر، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتاه أمداد أهل اليمن سأل: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد، ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرئت منه إلّا موضع الدرهم؟ قال: نعم، قال: ألك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي إليكم أويس بن عامر، مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، وكان به بياض فبرئ منه إلا موضع الدرهم، له والدة هو بها بارّ لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» (٢)، فاستغفر لي فاستغفر له، فقال عمر رضي الله عنه أين تريد؟ فقال: الكوفة، قال ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غير النّاس أحبّ إليّ. قال: فلما كان في العام القابل حج رجل من أشرافهم، فوافى عمر رضي الله عنه، فسأله عن أويس، فقال: تركته رثّ البيت، قليل المتاع. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، وكان به برص فبرئ منه إلا موضع درّهم، له والدة بها بارّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» فأتى أويسا فقال: استغفر لي، فقال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح؟ قال: نعم، قال له: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه، قال أسيد: وكسوته بردة، فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة! .

وفي كتاب الإحياء: أنّه لما ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: أيّها الناس، من كان من أهل العراق فليقم، فقاموا، فقال: اجلسوا إلّا من كان منقرن؟ فجلسوا إلا رجلا واحدا، فقال له عمر رضي الله عنه قرنيّ أنت؟ قال: نعم، قال: أتعرف أويسا؟

قال: نعم، وما تسأل عن ذلك يا أمير المؤمنين؟ والله ما فينا أحمق ولا أجنّ ولا أحوج منه! فبكى عمر رضي الله، ثم قال: ما قلت، إلّا أنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر». ولمّا كان عند أهله كالمجنون بنوا له بيتا على باب دارهم، فكان تأتي عليهم السّنة لا يرون وجهه، كان يخرج أوّل الأذان ويأتي بعد العشاء الآخرة، وكان طعامه أن يلقط النّوى، فكلّما أصاب حشفة خبأها لإفطاره، فإن أصاب ما بقوته باع النّوى، وتصدّق به، وإلّا اشترى منه ما يقوته. وكان لباسه قطع الأكسية من المزابل، يلفق بعضها إلى بعض، ثمّ يلبسها، وإذا مرّ بالصبيان رجموه، يظنّون أنه مجنون، ولهذا أعظّم النبي صلى الله عليه وسلم حرمته، فقال: «إني لأجد نفس الرحمة من قبل اليمن».

إشارة إليه.


(١) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٢٣.
(٢) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٢٤، ٢٢٥، وأحمد في المسند ١/ ٣٨، ٣/ ٤٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>