للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمّا حضرا القاضي؛ وكان ممّن يرى فضل الإمساك، ويضنّ بنفاثة السّواك، جثا أبو زيد بين يديه، وقال: أيّد الله القاضي وأحسن إليه، إن مطيّتي هذه أبيّة القياد، كثيرة الشّراد؛ مع أنّي أطوع لها من بنانها، وأحنى عليها من جنانها. فقال لها القاضي: ويحك! أما علمت أنّ النّشوز يغضب الرّبّ، ويوجب الضّرب! فقالت: إنّه ممّن يدور خلف الدّار، ويأخذ الجار بالجار، فقال له القاضي: تبّا لك! أتبذر في السّباخ، وتستفرخ حيث لا إفراخ! اعزب عنّي، لا نعم عوفك، ولا أمن خوفك، فقال أبو زيد: إنّها ومرسل الرّياح، لأكذب من سجاح!

فقالت: بل هو ومن طوّق الحمامة، وجنّح النّعامة، لأكذب من أبي ثمامة، حين مخرق باليمامة!

***

لا أغني، أي لا أنفع، الإمساك: الشح، يضنّ: يبخل، والنفاثة: ما تطرحه من فيك من السّواك بعد الانتفاع به، وهذا وإن كان في غاية البخل منتزع من قول الشاعر:

[الطويل]

لقد بخلت حتى لو أنّي سألتها ... قذى العين من ضاحي التراب لضنّت

وقال آخر في معناه: [السريع]

يبخل بالماء ولو أنه ... منغمس في وسط النّيل

شجّا فلا تطمع في خيره ... ولو توسّلت بجبريل

وقال آخر: [البسيط]

ما كنت أحسب أن الخبز فاكهة ... حتى نزلت على أوفى بن منصور

يا حابس الرّوث في أعقاب بغلته ... خوفا على الحبّ من لقط العصافير

وهذا الباب مستوفى في الرابعة والأربعين:

ومما يستظرف من لفظ السّواك، قول بعض الظرفاء: [الخفيف]

قد هجرت السّواك من أجل أنّي ... إن ذكرت السّواك قلت سواكا

وأحبّ الأراك من أجل أنّي ... إن ذكرت الأراك قلت أراكا

جثا: برك، أيّد: قوّى مطيّتي: زوجتي، أبيّة: صعبة ممتنعة على قائدها. الشّراد:

النّفور، أحنى: أعطف وأرحم. جنانها: قلبها.

النّشوز: عصيان الزوج ومخالفته، والنّشوز أصله الارتفاع. وويح، معناها التوبيخ والتقبيح، وتستعمل أيضا للترحّم، وقوله: ويوجب الضرب من قوله تعالى: وَاللَّاتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>