للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم التفت إلى الفضل، فقال: أوجب؟ قال: وجب، قال: أزيدك، قال ذلك لأمير المؤمنين، قال: قول الأعرابيّ: [الطويل]

به ضرب أنداد العطايا كأنّه ... ملاعب ولدان تحطّ وتمضغ

ثم التفت إلى جعفر، فقال: أوجب؟ قال: وجب، قال: أزيدك، قال: لأمير المؤمنين علوّ الرأي، قال: قول عديّ بن الرقاع: [الكامل]

تزجي أغنّ كأنّ إبرة روقه ... قلم أصاب من الدّواة مدادها (١)

فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا بيت حسد عديّا عليه جرير، قال: وكيف ذلك؟

قلت: زعم أبو عمرو بن العلاء أن جريرا قال: لما ابتدأ عديّ ينشد: [الكامل]

* عرف الدّيار توهّما فاعتادها (٢) *

فقلت في نفسي: ركب والله مركبا صعبا، سيبدع فيه، فما زال يتخلّص من حسن إلى حسن، إلى أن قال: [الكامل]

* تزجي أغنّ كأنّ إبرة روقه*

فرحمته، وظننت أن مادته تقصر به، فلما قال: [الكامل]

* فلم أصاب من الدّواة مدادها*

حالت الرحمة حسدا، فقال: لله أبوك يا أصمعيّ؟ ثم أطرق ورفع رأسه، وقال:

أتراك تعينني في انحطاطك في هواي؟ فقلت: كلا يا أمير المؤمنين، إنّك لتجل عن ذلك، قال: انظر خمسا، قلت: قد نظرت، قال: فالسّبق لمن؟ قلت: لأمير المؤمنين، قال: فقد أسهمت لك في العشر والعشر كثير، ثم رمى بطرفه إلى يحيى، وقال: المال الساعة، وأولى لك! فما كان ساعة حتى حضرت البدر بيني وبينه، ورأيت ضوء الصبح قد غلب على ضوء الشمع، فأشار إلى خادم على رأسه، كم هي؟ فقال: ثلاثة آلاف ألف درهم، فقال: دونك احتمل ثلاثين ألفا إلى منزلك، ونهض عن مجلسه، وأمر الخدم، بمعاونتي على حمله، فكانت أسعد ليلة ابتسم فيها الصباح عن أحد بالغنى.

فهذه الحكاية تدلّك على تبحره في علوم العربية وسعة حفظه.

***

تبع ابن الرّمادي عنترة في قوله: «وخلا الذباب» بقوله: [الطويل]


(١) البيت في ديوان عدي بن الرقاع ص ٣٥، ولسان العرب (بلد)، (قرش)، (زجا).
(٢) عجزه:
من بعد شمل البلى أبلادها
والبيت في ديوان عدي بن الرقاع ص ٣٣، ولسان العرب (بلد)، والأغاني ١/ ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>