ليخرج، فأبطأ، فقلت لسعيد الجوهريّ وهو في حجرة: إن هذا الفتى قد اشتغل بالبطالة، فقال سعيد: قوّمه بالأدب، فلما خرج ضربته ثلاث درر، فإنه ليبكي إذا بجعفر بن يحيى قد استأذن عليه، فوثب إلى فراشه مسرعا، وهو يمسح عينيه، فجلس ثم قال: ليدخل، فدخل، فقمت من المجلس وخشيت أن يشكوني إلى جعفر، فألقى منه ما أكره، فأقبل عليه بوجه طلق وحادثه وضاحكه، فلما همّ بالحركة قال: يا غلام، دابّته، ورجعت.
فقال: ما حملك أن قمت عنا! فقلت: خفت أن تشكوني إليه فيوبّخني، فقال: إنا لله يا أبا محمد! ما كنت أطلع الرشيد على هذا، فكيف أطلع جعفرا على أني أحتاج إلى أدب! يغفر الله لك. فكنت أهابه بعد ذلك.
وشكي إلى معلم عبد الرحمن بن حسان بصبيان، فضربهم حتى انتهى إلى عبد الرحمن، فهدّده فقال: [البسيط]
الله يعلم أنّي كنت معتزلا ... في دار حسّان أصطاد اليعاسيبا
فتركه. وبلغ حسان، فضمّه إليه وقال: أنت والله ابني حقّا فداك أبي وأمي! .
ودخل عليه يوما يبكي من لسعة زنبور، فقال له: ما يبكيك؟ فقال: لسعني طائر كأنه ملتفّ في بردى حبرة، فقال: قلت والله يا بنيّ الشعر.
وجاءت سكينة بنت الحسين أمّها الرباب وهي تبكي، فقالت: ما لك؟ فقالت:
سربت بي طويرة فلسعتني بأبيرة.
ويروى: مرّت بي دبيرة، تصغير دبرة وهي النحلة.
***
قوله: اللجيّ: البحر. شواظ: لهب النار. والكهانة: بالكسر: حرفة الكاهن، وبالفتح فعل الكاهن، وهو المصدر، والكاهن: المخبر بالغيب.
وافترّ: تبسّم. متضاحك: مستعمل الضحك. مماحك: لجوج، أي مشى غير غاضب.
احفظها عني، أي حصّلها وعها. وعليّ، أي اكتمها واسترها، وقامت الواو مقام تكرير الفعل. اصرف: أزل ونحّ. صرف الراح: خالص الخمر الأسى: الحزن. تكتئب:
تهتم وتحزن. قدك: حسبك. اتّأب: ارتجع وكفّ وقيل: معناه استحي، يقال منه: وأب واتّأب، أي خزي واستحيا والإبة والمؤبة: الخزي والحياء والانقباض، وأوأبه واستآبه:
ردّه بخزي وعار، والتاء فيها مبدلة من واو، فأصل اتّأب أوتأب فأبدلت الواو تاء وأدغمت في التاء بعدها، وهي من وأب الحافر يئب وأبا إذا انضم. وحافر وأب، أي خفيف، والتؤبة مأخوذة من أتأب: وقال حبيب: [الكامل]
قدك اتّأب أربيت في الغلوا ... كم تعذلون وأنتم شجوى