يوسف: كنت البارحة قد أويت إلى فراشي، فإذا داق يدقّ الباب بشدّة، فأخذت عليّ إزاري، وخرجت، فإذا هو ابن أعين يقول: أجب أمير المؤمنين، فقلت: يا أبا حارثة لي بك حرمة، وهذا وقت كما ترى، ولست آمن أن يكون أمير المؤمنين دعاني لمكروه، فإن أمكنك أن تدع الأمير إلى غد فلعله أن يحدث له رأي! فقال: ما لي إلى ذلك من سبيل، قلت: كيف كان السبب؟ قال: خرج إليّ مسرور الخادم، فأمرني أن آتي بك أمير المؤمنين، فقلت: أتأذن لي أن أصبّ عليّ ماء وأتحنّط فإن كان أمر كنت قد أحكمت شأني، وإن رزق الله العافية فلن يضرّ، فدخلت ففعلت ذلك، وتطيبت ثم خرجنا إلى دار الرشيد ومسرور واقف، فقلت: يا أبا هاشم خدمتي وحرمتي، وهذا وقت ضيّق، أفتدري لم طلبني؟ قال: لا، قلت: فمن عنده؟ قال: عيسى بنجعفر وحده، ثم قال: مرّ فإذا صرت في الصّحن فحرّك رجليك، فإنه في الرواق ففعلت، فقال: من هذا؟ قلت:
إي والله ومن خلفي، قال اجلس، فلما سكن روعى، قال: يا يعقوب هل تدري لم دعوتك؟ قلت: لا، قال: لأشهدك على هذا؛ إنّ عنده جارية، فسألته أن يهبها أو يبيعها لي فأبى، وو الله لئن لم يفعل لأقتلنه. فالتفتّ إلى عيسى وقلت: وما بلغ قدر الجارية؟
أتمنعها أمير المؤمنين وتنزّل نفسك هذه المنزلة؟ فقال لي: عجّلت القول قبل أن تعرف ما عندي، إن عليّ يمينا بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك ألّا أبيعها لأحد ولا أهبها، فالتفت إليّ الرشيد، فقال لي: هل لك في ذلك مخرج؟ فقلت: نعم، قال: وما هو؟ قلت:
يهب لك نصفها ويبيعك نصفها، فيكون لم يبع ولم يهب، قال عيسى: ويجوز ذلك؟
قلت: نعم، قال: فأشهدك أني قد وهبت له نصفها، وبعت منه نصفها بمائة ألف دينار، وأتي بالجارية، فقال: خذها يا أمير المؤمنين بارك الله لك فيها، قال: يا يعقوب، وبقيت واحدة، قلت: يا أمير المؤمنين، وما هي؟ قال: هي مملوكة ولا بدّ أن تستبرأ، وو الله إنّ نفسي لتخرج إن لم أبت معها. فقلت: يا أمير المؤمنين تعتقها وتتزوجها، فإن الحرّة لا تستبرأ، قال: فإني قد أعتقتها، فدعا بمسرور وحسن، وخطبت وحمدت الله ثم زوجت على عشرين ألف دينار، ودفع المال إليها، ثم قال: يا يعقوب انصرف، ثم قال: يا مسرور احمل إلى أبي يوسف مائتي ألف درهم وعشرين تختا ثيابا، فحمل معي ذلك، قال بشر: فالتفت إلي يعقوب، فقال: هل رأيت بأسا فيما فعلت؟ قلت: لا قال: فحقّك منها العشر فشكرته، وذهبت: لأقوم وإذا بعجوز دخلت، فقالت: يا أبا يوسف، بنتك تقرئك السلام، وتقول: والله ما وصلني من أمير المؤمنين في ليلتي هذه إلّا المهر الذي قد عرفت، وقد جعلت إليك النصف منه، وخلّفت الباقي لما أحتاج إليه، فقال: ردّيه، فو الله لا قبلته، أخرجتها من الرّق وزوّجتها من أمير المؤمنين وترضيني بهذا، فلم نزل نتلطف إليه أنا وعمومتي يقبلها فقبلها وأمر لي بألف دينار.
وأما صلة الحج بالعمرة التي ذكر الحريري، فإن أبا يوسف في ذلك مخالف لمالك