حمص عند افتتاح الأندلس، فلذلك سميت حمص، وأخذت من قولهم: حمص الجرح يحمص حموصا، وانحمص ينحمص انحماصا. إذا ذهب ورمه.
قال اليعقوبي: مدينة حمص من أوسع مباني الشام، ولها نهر عظيم، منه يشرب أهلها، وافتتحها أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وفي حديث عمر رضي الله عنه:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«ليبعثنّ الله تعالى من مدينة بالشام يقال لها حمص سبعين ألفا يوم القيامة لا حساب عليهم».
ودخلها شيخنا ابن جبير سنة ثمانين وخمسمائة وقال: هي فسيحة الساحة، مستطيلة المساحة، نزهة لعين مبصرها من النّظافة والملاحة، موضوعة في بسيط من الأرض، عريض مداه، لا يتخرّقه النسيم بمسراه، ويكاد البصر يقف دون منتهاه، وماؤها يجلب لها من نهرها العاصي، وهو منها بنحو ميل، ومنبعه في مغارة بسفح جبل بمرحلة منها، بموصل يقابل بعلبكّ، وأهل حمص موصوفون بالنجدة لمجاورتهم العدوّ، وأسوارها في غاية العتاقة والوثاقة، مرصوص بناؤها بالحجارة السود، وأما داخلها فما شئت من بادية شعثاء، خلقة الأرجاء لا إشراق لآفاقها، ولا رونق لأسواقها، وما ظنّك ببلد حصن الأكراد منه على أميال يسيرة. وتجد فيها عند اطّلاعك عليها بعض شبه من مدينة إشبيلية يقع للحين في نفسك حبّها، ولذلك سميت باسمها في القديم، ولهذا نزل إشبيلية بعض أعراب حمص.
وقال الفنجديهي: بأهل حمص يضرب المثل في الحماقة، وكثرة الرقاعة، وتنسب إليهم حكايات مضحكة، حكي عن بعضهم أنه قال: دخلتها وفي فمي درهم لأشتري به بعض ما اشتهيه، فإذا برجل بباب الجامع جالس على كرسيّ، وعلى رأسه عمامة محنّك بها على قلنسوة، وقد لبس فروة مقلوبة بلا سراويل، وقد تقلّد بسيف، وفي حجره مصحف يقرأ فيه، وعنده كلب رابض يمسكه بمقوده، فسلّمت عليه، فردّ السلام، وقلت له: أترى القوم صلّوا؟ فقال لي: أو أنت أعمى! أما تراني قاعدا! قلت: من أنت؟ قال:
أنا أبو خالد إمام الجامع، فقلت: ما هذه الحلية؟ قال: ورد رجل زنديق يقرأ السبع الطوال، ويشتم أبا بكر الصّناديقي وعمر القواريريّ وعثمان بن أبي سفيان ومعاوية بن أبي غسّان الذي هو من حملة العرش، وزوّجه النبي ابنته عائشة في زمن الحجّاج بن يوسف، فاستولدها الحسن والحسين، فقلت: ما أعرفك بالمقالة والأنساب! قال: وما خفي عنك أكثر، قلت: أتحفظ القرآن؟ قال: نعم، قلت: فاقرأ شيئا منه، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [يوسف: ٥]، فصفعته صفعة سقطت عمامته، وبقي التحنّك في عنقه، فصاح بالناس: قلنسوتي! وقال: احملوه إلى المحتسب، فأوصلوني إلى رجل حاسر حاف، قد لبس درّاعة بلا سراويل، فقال: ما