للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دمعي المنهمر، ولكن هان على الأملس ما لاقى الدّبر. ثمّ كأنه نزع إلى الاستحياء، فأقلع عن البكاء، وفاء إلى الارعواء، وقال للشيخ: قد صرت إلى ما اشتهيت، فارقع ما أوهيت، فقال: هيهات شغلت شعابي جدواي، فشم بارق سواي.

ثمّ إنّه نهض يستقري الصّفوف، ويستجدي الوقوف، وينشد في ضمن ما هو يطوف: [الرجز]

أقسم بالبيت الحرام الّذي ... تهوي إليه الزّمر المحرمة

لو أنّ عندي قوت يوم لما ... مسّت يدي المشراط والمحجمة

ولا ارتضت نفسي الّتي لم تزل ... تسمو إلى المجد بهذي السّمه

ولا اشتكي هذا الفتى غلظة ... منّي ولا شاكته منّي حمة

لكن صروف الدّهر غادرنني ... كخابط في اللّيلة المظلمة

واضطرني الفقر إلى موقف ... من دونه خوض اللّظى المضرمة

فهل فتى تدركه رقّة ... عليّ أو تعطفه مرحمه!

***

قوله: المنكدر، أي المتغيّر والكدرة ضدّ الصفاء. المنهمر: السائل أقلع: ارتفع وزال. فاء: رجع. الارعواء: الاستحياء والرّجوع الحسن أوهيت: أفسدت. شم: انظر يستقري: يتتبع يستجدي: يطلب الجدا، وهو العطيّة. في ضمن: في أثناء وفي خلال تهوي: تسرع المشي وتتساقط إليه. الزّمر: الجماعات. المحرمة: الداخلة في الحرم.

تسمو: ترتفع المجد: الشرف. السّمة: العلامة. غلظة: جفاء شاكته: ضربته حمة:

شوكة العقرب التي تلسع بها، والحمة: السّمّ فسمي ما يخرج عنه السّمّ باسمه صروف:

نوائب. غادرنني: تركنني. خابط: ماش على جهالة. اضطرني: ألجأني. خوض اللّظى:

دخول النار. المضرمة: الموقدة. رقّة: شفقة. تعطفه: تلينه. مرحمة: رحمة.

***

قال الحارث بن همام: فكنت أوّل من أوى لبلواه، ورقّ لشكواه، فنفحته بدرهمين، وقلت: لا كانا ولو كان ذا مين، فابتهج بباكورة جناه وتفاءل بهما لغناه، ولم تزل الدّراهم تنهال عليه، وتنثال لديه؛ حتى آل ذا عيشة خضراء، وحقيبة بجراء، فازدهاه الفرح عند ذلك، وهنّأ نفسه بما هنالك، وقال للغلام: هذا ريع

<<  <  ج: ص:  >  >>