للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقريع هذه الصّفات؟ فقال: إنّه قرن مجالك، وقرين جدالك؛ وإذا شئت ذاك فرض نجيبا، وادع مجيبا، لترى عجيبا. فقال له: يا هذا، إنّ البغاث بأرضنا لا يستنسر، والتّمييز بين الفضّة والقضّة متيسّر، وقلّ من استهدف للنّضال، فخلص من الدّاء العضال، أو استثار نقع الامتحان، فلم يقذ بالامتهان، فلا تعرّض عرضك للمفاضح، ولا تعرض عن نصاحة النّاصح. فقال: كلّ امرئ أعرف بوسم قدحه، وسيتفرّى اللّيل عن صبحه. فتناجت الجماعة فيما يسبر به قليبه، ويعمد فيه تقليبه؛ فقال أحدهم: ذروه في حصّتي؛ لأرميه بحجر قصّتي، فإنّها عضلة العقد، ومحكّ المنتقد. فقلّدوه في هذا الأمر الزّعامة، تقليد الخوارج أبا نعامة.

***

قوله: «ناظورة»، أي كبير القوم ومقدّمهم الذي ينظرون إليه. الديوان: دار الكتّاب وموضع اجتماعهم. والديوان، الزمام يكون فيه أسماء الجند وأرزاقهم، وأصله «دوّان»، فقلبت واوه الأولى ياء لانكسار ما قبلها، ودلّ عليه دواوين في جمعه، وهو اسم أعجمي عرّب، والأصل في تسميته أن كسرى أمر الكتّاب أن يجتمعوا له في دار، ويعملوا حساب السواد في ثلاثة أيام، وأعجلهم فيه، فأخذوا في ذلك، واطّلع عليهم لينظر ما يصنعون؛ فنظر إليهم يحسبون بأسرع ما يمكن، وينسخون كذلك، فعجب من كثرة حركتهم، فقال:

أرى «ديوان» ومعناه شياطين، ثم سمّى موضعهم ديوانا، ثم استعملته العرب، وجعل كل محصّل من كلام أو شعر ديوان. قارع: ضارب وكاسر. الصّفاة: الصخرة الملساء، استعارها للصعب من الكلام. قريع: سيّد. الصّفات: النعوت التي تقدّم أنه يعرف بفعلها. وقرن مجالك: صاحب كلامك الذي تجول فيه- يعني نفسه. قرين جدالك:

صاحب مجادلتك، والقرن بالكسر: الذي يماثلك في شدّة أو خصام أو علم، وإن لم يكن بينكما معرفة، وقرينك: صاحبك الذي لا يفارقك كأنهقرن معك. والمجال:

الموضع الذي تراض فيه الخيل. رض: سس وليّن. النجيب: الفحل الكريم من الإبل، وعنى نفسه. ادع مجيبا، يقول: سسني ثم ادعني أستجب لك. ترى عجيبا، في حسن جوابي. البغاث: صغار الطير. يستنسر: يصير نسرا، يقول: نحن أهل علم ومعارف، فلا تجوز علينا المخاوف، والعرب تقول في أمثالها: «إن البغاث في أرضنا يستنسر»، أي يرجع الضعيف قويا لعزّنا وحمايتنا له ممن يريده، وقيل في البغاث: إنه ذكر الرّخم، وقيل: البغاث كلّ ما يصاد من الطير، والجوارح: كلّ ما يصيد، والرّهام: ما لا يصيد ولا يصاد، كالخطّاف وغيره. القضّة: الحصى البيض الصغار، ويقال: جاء بالقضّ والقضيض بالقاف والضاد، ومعناه جاء بالكبير والصغير. والقضيض: صغار الحصى وما تكسّر منه، وقالوا: جاءوا قضّهم بقضيضهم. أي كلّهم. استهدف: صار هدفا، وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>