للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسابق لهذا المعنى أبو حفص الشّطرنجيّ، والناس تبع له حيث قال: [السريع]

أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعدة

لا شكّ- إذ لونكما واحد ... أنّكما من طينة واحده

على أنّ العباس بن الأحنف معاصره، قال: [الطويل]

أحبّ النساء السّود من أجل تكتم ... ومن أجلها أحببت ما كان أسودا

فجئني بمثل المسك أطيب نكهة ... وجئني بمثل اللّيل أطيب مرقدا

أخذ بيته الأول من قول ابن الأعرابيّ: [الوافر]

أحبّ لحبّها السّودان حتّى ... أحبّ لحبّها سود الكلاب

وقال ابن الروميّ في تفضيل السّواد على البياض: [المنسرح]

وبعض ما فضّل السّواد به ... والحقّ ذو سلّم وذو نفق

ألا يعيب السواد حلكته ... وقد يعاب البياض بالبهق

وهذه الأقوال كلها على استحسانها اعتذارات واقتدارات من الشعراء على تحسين القبيح، والأمر المجمع عليه تفضيل البياض.

قال الجاحظ: العرب تمدح بالبياض، وتهجو بالسّواد، وربما مدحوا بالسّواد، ولكن أصل ما يبنون عليه أمرهم ذمّه، وأنشد: [الوافر]

لهم ديباجة عرفت قديما ... بياض في الوجوه وفي الجلود

وأحسن كشاجم فيما قصد إليه بقوله: [المديد]

يا مشبها في فعله لونه ... لم تعد ما أوجبت القسمه (١)

خلقك من خلقك مستخرج ... والظلم مشتقّ من الظلمة

قوله: «جبت ما بين فرغانة وغانة»، وما هنا بمعنى الذي، كأنه قال: جبت الذي بين فرغانة التي هي أقصى المشرق، وغانة التي هي أقصى المغرب من البلاد والقفار والبحار لكسب المال، فما هي التي أوجبت لما بين البلدتين ما ذكر أن يعمّ بالمشي، ولو سقطت لم يلزم العموم، وكأنه يشير بهذا التعبير إلى قول حبيب: [الطويل]

سلي هل عمرت القفر وهو سباسب ... وغادرت ربعي من ركابي سباسبا (٢)

وغرّبت حتى لم أجد ذكر مشرق ... وشرقت حتى قد نسبت المغاربا


(١) البيتان في ديوان كشاجم ص ١٧.
(٢) البيتان في ديوان أبي تمام ص ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>